هويتنا الارثوذكسية للانبا روفائيل


"ها أنا آتى سريعاً. تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ 11:3)...
هذه الوصية ترن عالياً فى أذان كنيستنا القبطية.. إننا حريصون كل الحرص على الإكليل المُعد لكلٍ منا فى الأبدية.. لذلك تحافظ كنيستنا المجيدة على (ما عندها) من إيمان، وصلاة، وتسبيح، وجهاد روحى عميق.. لننال أكاليل النعمة غير المغلوبة فى اليوم الأخير..
وقد يتساءل البعض.. أليست كل كنيسة أيضاً تتمسك بما عندها متخوفة من هذا التحذير الإلهى؟
فما الذى يُميّز كنيستنا القبطية عن غيرها؟ أليس الجميع مقبولين أمام الله؟ لماذا نتمسك بكنيستنا بكل هذا التمسك والافتخار؟
ما الذى يُميز الأرثوذكسية؟
إن الأرثوذكسية تتميز فى فكرها عن جميع الطوائف بأنها كنيسة التسليم الرسولى، فهى كنيسة تقليدية - كهنوتية - طقسية - آبائية - كتابية، وهى مجمع قديسين فى السماء وعلى الأرض.
دعنا الآن نناقش هذا التميز بنداً بنداً :
1- التسليم الرسولى
ما هو التسليم ؟
التسليم هو الطريقة التى فهم بها الآباء معنى الإنجيل، وتفاصيل العقيدة. وقد سلّموها لنا كما استلموها من آبائهم، ومن السيد المسيح نفسه.
† إنه تسليم "ليس بحسب إنسان" (غل 11:1).. وليس من اختراع البشر، أو استحسان المفكرين واللاهوتيين..
† "فإننى سلَّمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً" (1كو 3:15)، "لأننى تسلَّمت من الرب ما سلَّمتكم أيضاً" (1كو 23:11).
* وقد أمرنا الإنجيل أن نحفظ هذه التقليدات ونسلمها بأمانة للأجيال التالية :
† "فأمدحكم أيها الإخوة على أنكم تذكروننى فى كل شىء، وتحفظون التعاليم (التقليدات) كما سلَّمتها إليكم" (1كو 2:11).
† "فاثبتوا إذاً أيها الإخوة وتمسكوا بالتعاليم (التقليدات) التى تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا" (2تس 15:2).
* الأسفار نفسها تشهد إذاً بأنها يجب أن تُفهم من خلال التسليم الرسولى:
† "نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يَسلُك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم (التقليد) الذى أخذه منا" (2تس 6:3).
هذا التعليم الرسولى كان جزء منه كتابة فى الرسائل، وجزء آخر شفاهى "لأنى أرجو أن آتى إليكم وأتكلم فماً لفم، لكى يكون فرحُنا كاملاً" (2يو 12)، راجع أيضاً (3يو 13،14)، وجزء منه كان ترتيبات عملية "وأما الأمور الباقية فعندما أجىء أرتبها" (1كو 34:11).
* وقد أوصى الكتاب المقدس الكنيسة أن تحفظ هذا التسليم، وتسلِّمه بأمانة وكفاءة للأجيال المتعاقبة..
† "وما سمعته منى بشهود كثيرين، أَودِعه أُناساً أُمناء، يكونون أكفاءً أن يُعلِّموا آخرين أيضاً" (2تى 2:2).
† "من أجل هذا تركتك فى كريت لكى تُكمِّل ترتيب الأمور الناقصة، وتُقيم فى كل مدينة قسوساً" (تى 5:1).
† "تمسّك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى" (2تى 13:1).
لقد فهم الآباء الإنجيل بطريقة سليمة حسب قصد السيد المسيح. فكان إيمانهم نقياً، وكذلك عاشوا بالإنجيل كما قصد السيد المسيح.. فكانت حياتهم تقوية. "وما تعلمتموه، وتسلمتموه، وسمعتموه، ورأيتموه فىَّ، فهذا افعلوا" (فى 9:4).ولولا هذا التسليم.. لتعددت مدارس التفسير، إلى الدرجة التى تنشأ بسببها الهرطقات والبدع الخطيرة، بسبب الاجتهاد الشخصى فى التفسير، وتدخّل العوامل النفسية والشخصية، فى توجيه معنى الآيات


.يمكنك أن تتساءل.. كيف فهم الآباء معنى ومدلول الآيات التالية؟
† "أبى أعظم منى" (يو 28:14).
† "مَنْ أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها" (مت 25:16).
† "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 13:9).
† "وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك" (مت 9:18).وغيرها.. كثير من الآيات التى إذا فُهمت بطريقة حرفية، لضاع المعنى الذى يقصده السيد المسيح، وأخرى عسرة الفهم، تحتاج شرحاً وتفسيراً سليماً، وأخرى لم يفهمها البعض فهماً صحيحاً، فأدت إلى ظهور الهرطقات والبدع الخطيرة.إن العودة إلى التسليم الرسولى هى أضمن السُبل للاحتفاظ بالفهم السليم لنصوص الكتاب المقدس.ا أخطر أن يعتمد الإنسان على نفسه، وعلى فكره الخاص "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 5:3). "لا تكونوا حُكماء عند أنفسكم" (رو 16:12). "وأما أنت فاثبُت على ما تعلَّمت وأيقنت، عارفاً مِمَّنْ تعلَّمت" (2تى 14:3).


وقيل عن دور الأسقف أنه يكون :
† حافظاً للتفسير السليم للآيات، بحسب قصد السيد المسيح نفسه.
† "ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم، لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح، ويوبخ المناقضين" (تى 9:1).
† "أوصيك أمام الله... أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم" (1تى 13:6-14).
† "إن كان أحد يُعلِّم تعليماً آخر، ولا يُوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذى هو حسب التقوى، فقد تصلَّف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو مُتعلل بمباحثات ومماحكات الكلام"
(1تى 3:6-4).إذاً ليست الأهمية أن نقرأ الإنجيل فقط.. بل أيضاً أن نستنير بالكنيسة فى فهم الإنجيل، والسلوك بالوصية. وهذا ما هو حادث بالفعل فى كنيستنا القبطية.. إذ هى متمسكة بالكتاب المقدس، وأيضاً بالطريقة التى فهمه بها الآباء.دعونا نتمسك بـ "الإيمان المُسلَّم مَرَّة للقديسين" (يه 3:1)."تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى، فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع. احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تى 13:1-14).وهذا يؤكد للمرة الثانية أن هذا الإيمان والتفسير السليم، قد يكون مكتوباً فى الأسفار المقدسة، أو مشروحاً شفاهياً، ومُسلَّم حياتياً للكنيسة "سواء بالكلام أو برسالتنا" (2تس 15:2).إذ أن الكتاب المقدس لم يتسع لشرح كل الحقائق الإلهية "فلست أظن أن العالم نفسه يَسَعُ الكتب المكتوبة" (يو 25:21). ودعونا نحترس مما حذرنا الكتاب المقدس منه "إن كان أحد يُبشركم بغير ما قبلتم، فليكن (أناثيما)!" (غل 9:1).
* ما الذى يضمن عدم تزييف التسليم الرسولى؟
قد يتخوف البعض أيضاً من أن الكنيسة - مع طول الزمان - قد تدخل آباؤها بآرائهم الخاصة فى التفسير والتسليم، مما يؤدى حتماً إلى تزييف التسليم الرسولى الحقيقى والأصيل، ويصير بذلك ما بين أيدينا من تقليد بعيداً روحاً وموضوعاً، عما كان بين أيدى الرسل والآباء الأولين.أود أن أطمئن صاحب هذا التخوّف المخلص أن الكنيسة منذ البداية لا تعتمد أى فكر، أو تفسير، أو إتجاه إلا عن طريق مجمع مقدس "وما سمعته منى بشهود كثيرين" (2تى 2:2). فلو كان الأمر متروكاً لشخص واحد فقط (البابا مثلاً فى أى عصر)، لكانت شبهة الانحراف والتزييف والتغيير ورادة، لأننا لا نؤمن بعصمة الأفراد. ولكن الذى يحكم التعليم فى الكنيسة ليسوا أفراداً بل المجمع المقدس. فكنيستنا القبطية كنيسة مجمعية وليست كنيسة بابوية.وهناك قاعدة مستقرة فى كنيستنا القبطية.. أننا لا نأخذ بأى تقليد إلا إذا كان متوافقاً مع الكتاب المقدس، ومع الإجماع الكنسى، والسياق العام لإيماننا القويم، ومصدره الآبائى الأصيل معروف.وليطمئن القارئ.. أن ما قد يتسلل إلى الكنيسة فى أحد العصور من أفكار خاطئة، أو ممارسات ليست أصيلة (وهذا شىء نادر الحدوث)، فإن المجمع المقدس للكنيسة له سلطان أن ينقى تراثها من هذه الإضافات غير الأصيلة.إن ما لدينا من تسليم رسولى وآبائى قد حافظت عليه كنيستنا القبطية، بكل نقاوة وأمانة، وسلّمته إلينا بكل دقة وتقوى. وقد بذلت الكنيسة دمها وعرقها حباً لفاديها وعريسها، وحفظاً لتراثها وسلامة إيمانها.فإذا أردت أن تستند إلى شرح إلهى مستنير، وتفسير أمين غير منحرف، وبدون شهوات خاصة.. تعالَ إذاً إلى كنيستك القبطية الأرثوذكسية لتغترف من كنوز معرفتها، لتشبع وتفرح وتسعد بالمسيح إلهنا."لأن وعظنا ليس عن ضلال، ولا عن دنس، ولا بمكر، بل كما استُحسنا من الله أن نُؤتمن على الإنجيل، هكذا نتكلم، لا كأننا نُرضى الناس بل الله الذى يختبر قلوبنا. فإننا لم نكن قط فى كلام تملق كما تعلمون، ولا فى علة طمع. الله شاهد" (1تس 3:2-5).
2- الكهنوت
أيضاً ما يُميز كنيستنا القبطية هو أنها كنيسة كهنوتية. فنحن نؤمن أن الكهنوت فى العهد الجديد لم يُلغ.. بل تغير من طقس هارون إلى طقس ملكى صادق.
† "فلو كان بالكهنوت اللاوى كمال - إذ الشعب أخذ الناموس عليه - ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكى صادق؟ ولا يُقال على رتبة هارون" (عب 11:7).
† "لأنه إن تغيَّر الكهنوت، فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضاً" (عب 12:7).
وكما كان فى العهد القديم.. كان هناك أناس مفروزين لعمل الكهنوت، وهم سبط لاوى، ونسل هرون.. كذلك فى العهد الجديد أيضاً.. يوجد أناس مفروزين لعمل الكهنوت.
† "قال الروح القدس: أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلُّوا ووضعوا عليهما الأيادى، ثم أطلقوهما" (أع 2:13،3).
صحيح أن كل الشعب هو مملكة كهنة.. "كونوا أنتم أيضاً مبنيين - كحجارة حية - بيتاً روحياً، كهنوتاً مقدساً، لتقديم ذبائح روحية مقبولة، عند الله بيسوع المسيح" (1بط 5:2). "وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكى، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكى تُخبِروا بفضائل الذى دعاكم، من الظلمة إلى نوره العجيب" (1بط 9:2). "وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه" (رؤ 6:1).وهو نفس الأمر الذى كان بعينه فى العهد القديم أيضاً.. "وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأُمة مقدسة" (خر 6:19). وهذا لم يمنع من وجود أناس متخصصين فى عمل الكهنوت داخل الجماعة المقدسة (نسل هرون من سبط لاوى).كذلك فى العهد الجديد.. نحن مملكة كهنة، ولكن يوجد الكهنة المتخصصون فى خدمة الكنيسة الكهنوتية. وإلا لماذا قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه: "حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأمم، مباشراً لإنجيل الله ككاهن، ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس" (رو 16:15).
* وكيف يكون المسيح (رئيس كهنة)؟
† "فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار" (عب 14:4).
† "كما يقول أيضاً فى موضع آخر: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق" (عب 6:5).
† "مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق" (عب 10:5).
كيف يكون المسيح رئيس كهنة، ويدّعى البعض أنه لا كهنوت فى المسيحية؟!!
* وضع اليد :
والكهنوت فى كنيستنا يُؤخذ بوضع اليد، فيحّل الروح القدس على الشخص المدعو للكهنوت، ويملأه من النعمة ومواهب الخدمة. وهذا يؤيده الكتاب المقدس حيث قيل: "أنه بوضع أيدى الرسل يُعطى الروح القدس" (أع 18:8). وليس المقصود هو وضع اليد العمومى لكل الناس، لنوال الروح القدس - الذى يتم الآن بالدهن بالميرون "ولما وضع بولس يديه عليهم حلَّ الروح القدس عليهم" (أع 6:19).. بل المقصود هو وضع اليد الخاص بالكهنوت "لا تهمل الموهبة التى فيك، المُعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدى المشيخة" (1تى 14:4). "فلهذا السبب أُذكِّرُك أن تُضرم أيضاً موهبة الله التى فيك بوضع يدىَّ" (2تى 6:1).والكهنوت فى كنيستنا منحدر إلينا من أبينا القديس مرقس الرسول الذى بشرنا بالمسيح، وسام أول أسقف لمصر، وهو القديس انيانـوس.. واستمـرت الخدمة الرسولية فى كنيستنا، والتسلسل الكهنوتى حتى اليوم فى بابانا المحبوب البابا شنوده الثالث، وكل الأحبار الأجلاء مطارنة وأساقفة الكنيسة، وكذلك فى الآباء الكهنة المباركين القمامصة، والقسوس الأرثوذكسيين.إنها موهبة عظيمة لا يتمتع بها كثيرون من الطوائف الأخرى.
* مواهب خدمة الكهنوت :
والكهنوت فى الكنيسة نعمة جبارة لا نستغنى عنها.. لأن الكاهن :
† مُعلّم.. "لأن شفتى الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملا 7:2).
† والكاهن يغفر خطايا الناس التائبين، بسلطان من المسيح.. "مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له، ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو 23:20).
† والكاهن يُعمد بتفويض من السيد المسيح.. "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 19:28).
† ويمارس كل الأسرار.. "كوكيل الله" (تى 7:1). "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح، ووكلاء سرائر الله" (1كو 1:4).
† والكاهن أيضاً سفير عن المسيح، ومحسوب أنه ملاك الكنيسة، وراعى لها، وأب للشعب، ومرشد، ومدبر، وخادم لمذبح الله، وهو الذى يبارك الشعب، ويفتقده، ويرعاه، ويحنو عليه، وينبهه من الذئاب الخاطفة..وعندما يستدعى الأمر يُوبخ، وينتهر، بصفته أب يخاف على أبنائه من الانحراف "وبِّخ، انتهر، عظ بكل أناة وتعليم" (2تى 2:4)، "كذلك عِظ الأحداث أن يكونوا متعقِّلين" (تى6:2). "تكلَّم بهذه، وعِظ، ووبِّخ بكل سلطان، لا يستَهِن بِكَ أحد" (تى 2: 15).مغبوط هو الإنسان الذى يجد أباً يتعهده بالرعاية.. ومسكينة هى الجماعة التى ترفض الكهنوت، والأبوة الروحية.. ستحرم نفسها من الكثير من النعم العظيمة..
3- الطقس الكنسى
كنيستنا كنيسة طقسية.. والطقس كلمة يونانية تُعنى الترتيب والنظام. وقد أمرنا الكتاب المقدس بتنظيم العبادة "ليكن كل شىء بلياقة وبحسب ترتيب" (1كو 40:14)، ونهانا عن العبادة غير المنظمة "ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذيــن بــلا ترتيب" (1تس 14:5)، "ثـــم نوصيكــم أيها الإخوة، باسم ربنــا يســوع المسيـــح، أن تتجنبـــوا كـــل أخ يســــلك بلا ترتيب، وليــس حسب التعليـــم الـــذى أخــذه منـــا" (2تس 6:3)، "لأننـــا لـــم نســـلك بلا ترتيب بينكم" (2تس 7:3).وكانت أحد وظائف الأسقف أن يُرتب الكنيسة (يُطقّسها) "من أجل هذا تركتك فى كريت لكى تُكمِّل ترتيب الأمور الناقصة، وتُقيم فى كل مدينة قسوساً كما أوصيتك" (تى 5:1).وفى العهد القديم أمر الله موسى النبى أن يُرتب العبادة، ويُنظمها حتى تكون فى مجد. وطبعاً بالأولى جدًّا أن تكون خدمة العهد الجديد أكثر تنظيماً، وأكثر مجداً "لأنه إن كانت خدمة الدينونة مجداً، فبالأولى كثيراً تزيد خدمة البر فى مجد!" (2كو 9:3).وكان معيار الخدمة فى العهد القديم أنها على "ترتيب (طقس) داود مَلِك إسرائيل" (عز 10:3). أما فى العهد الجديد فهى على نظام وترتيب المسيح نفسه.. وهذا ما مدحه القديس بولس الرسول فى أهل كولوسى "فإنى وإن كنت غائباً فى الجسد لكنى معكم فى الروح، فرحاً، وناظراً ترتيبكم ومتانة إيمانكم فى المسيح" (كو 5:2). لأنه سبق أن رتب هذه الأمور بنفسه فى الكنائس التى أسسها "وأما الأمور الباقية فعندما أجىء أُرتِّبها" (1كو 34:11).
† والطقس الكنسى يشمل :
† نظام الصلاة.. "فما هو إذاً أيها الإخوة؟ متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم، له لسان، له إعلان، له ترجمة. فليكن كل شىء للبنيان" (1كو 26:14).
† ونظام الصوم ومواعيده.. "ولما مضى زمان طويل، وصار السفر فى البحر خطراً، إذ كان الصوم أيضاً قد مضى" (أع 9:27).
† وكذلك يشمل الأعياد ومواعيدها.. "بل ودعهم قائلاً: ينبغى على كل حال أن أعمل العيد القادم فى أورشليم" (أع 21:18). "إذاً لنُعيد، ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (1كو 8:5). ليس بالنظام اليهودى بل بالمسيحى "فلا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت" (كو 16:2).
† ويُحدد الطقس الكنسى أيضاً اللحن، والنغمة، والكلام الذى يقال فى كل مناسبة.. لكى نعيش معاً حياة السيد المسيح بكل مراحلها على مدار السنة: (البشارة - الميلاد - الصوم - المعجزات - الصليب - القيامة - الصعود - حلول الروح القدس - كرازة التلاميذ... إلخ).
† وكذلك يُبرز لنا الطقس حياة القديسين لنحتفل بهم ونتمثل بإيمانهم.
4- القديسون
كنيستنا القبطية تُحب القديسين وتحترمهم.. وبالأكثر القديسين الذين سبقونا إلى السماء، لأنهم صاروا لنا كأنوار كاشفة، وعلامات للطريق.
† "اذكروا مُرشديكم الذين كلموكم بكلمــة الله. انظــروا إلــى نهايــة سيرتهم فتَمثَّلوا بإيمانهم" (عب 7:13).
† ونحن نكرّمهم لأن الله نفسه يُكرمهم.. "فإنى أُكرم الذين يُكرموننى، والذين يحتقروننى يصغُرون" (1صم 30:2).
† وهم قد أكرموا الله بتنفيذ وصاياه.. "فتكونون قديسين لأنى أنا قدوس" (لا 45:11)، "بل نظير القدوس الذى دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين فى كل سيرة. لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأنى أنا قدوس"(1بط 15:1،16).
† لذلك فنحن نُسَر بهم.. "القديسون الذين فى الأرض والأفاضل كل مسرتى بهم" (مز 3:16). "فأحب الشعب. جميع قديسيه فى يدك، وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك" (تث 3:33).
† والله نفسه مُمجد فى قديسيه.. "متى جاء ليتمجد فى قديسيه ويُتعجب منه" (2تس 10:1). لذلك فحينما نُمجد القديسين فإنما نحن نُمجد الله فيهم. وسوف يأتى السيد المسيح فى مجيئه الثانى مع جماعة القديسين "فى مجىء ربنا يسوع المسيـح مع جميع قديسيه" (1تس 13:3)، "هوذا قد جاء الرب فى ربــوات قديسيه" (يه 14).
† بل وسوف يشتركون فى دينونة العالم "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟" (1كو 2:6)، "متى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر" (مت 28:19).
† والقديسون هم الذين عرّفونا مشيئة الله "التى تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر" (أع 21:3)، "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو 70:1).
† وهم الذين سوف نتشارك معهم فى المجد الأبدى.. "شاكرين الآب الذى أهلنا لشركة ميراث القديسين فى النور" (كو 12:1).
† "أما قديسو العلى فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين" (دا 18:7).
† وقد أعطاهم الله مجداً يفوق الوصف.. "وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى، ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد" (يو 22:17). واعتبرهم نظيره "من يقبلكم يقبلنى، ومن يقبلنى يقبل الذى أرسلنى" (مت 40:10).
† والقديسون معنا فى شركة عضوية جسد المسيح، وهذه العضوية لا تنتهى بانفصال الروح عن الجسد، بل بالعكس تستمر وتتأصل إلى الأبد..فالقديسون فى السماء أحياء "أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت 32:22)، ومازالوا يُصلّون عنا حسب الوصية المتكررة بالإنجيل أن نصلى بعضنا لأجل بعض "أيها الإخوة صلُّوا لأجلنا" (1تس 25:5)، "وصلُّوا بعضكم لأجل بعض" (يع 16:5)، "طلبة البار تقتدر كثيراُ فى فعلها" (يع 16:5).نحن أغنياء بجماعة القديسين، وصلواتهم عنا فى كل حين.. إنهم سحابة الشهود "لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا" (عب 1:12).ونحن فخورون بهذه العائلة الضخمة المقدسة، من آبائنا القديسين التى تضم: أطفالاً، وكباراً، ورجالاً، ونساءً، وشباب من شهداء، ورهبان، وقديسين، وكهنة، وعلمانيين. شفاعتهم المقدسة تكون معنا آمين.
5- الجهاد الروحى
كنيستنا القبطية تؤمن بقيمة الجهاد الروحى، والأعمال الصالحة، لأجل خلاص الإنسان "ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا" (عب 1:12).إن كنيستنا تلتزم بالإنجيل فى تعاليمه، بخصوص الجهاد الروحى "لم تقاوموا بعد حتى الموت مجاهدين ضد الخطية" (عب 4:12). فالجهاد مطلوب بطول العمر "الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يَخلُص" (مت 22:10)، "قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعى، حفظت الإيمان، وأخيراً قد وُضِع لى إكليل البر، الذى يهبه لى فى ذلك اليوم، الرب الديان العادل" (2تى 7:4،8)، والجهاد مطلوب حتى فى خدمة المسيح "الأمر الذى لأجله أتعب أيضاً مُجاهداً، بحسب عمله الذى يعمل فىَّ بقوة" (كو 29:1)، "هكذا اركضوا لكى تنالوا. وكل من يُجاهد يضبط نفسه فى كل شىء" (1كو 24:9،25).والحياة الروحية موصوفة فى الكتاب المقدس أنها حرب ضد الشيطان "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية فى السماويات" (أف 12:6).لذلك يجب أن نتسلح ونجاهد مستعينين ومتكلين على كلمة الله "من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكى تقدروا أن تقاوموا فى اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شىء أن تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر، وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الإيمان، الذى به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص، وسيف الروح الذى هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة وطلبة" (أف 13:6-18)، "اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمساً من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين فى الإيمان" (1بط 8:5،9). ويجب أن نتدرب على حياة الفضيلة "لذلك أنا أيضاً أُدرب نفسى ليكون لى دائماً ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس" (أع 16:24).كل ذلك لا يلغى أننا نؤمن بنعمة الله العاملة فينا.. ولكن النعمة أيضاً لا تلغى الجهاد، كما أن الإيمان لا يجعلنا نستغنى عن الأعمال "هكذا الإيمان أيضاً، إن لم يكن له أعمال، ميت فى ذاته" (يع 17:2).
6- الأسرار المقدسة
وكنيستنا القبطية تؤمن بالأسرار المقدسة وضرورتها للخلاص، وتؤمن بفاعليتها فى حياتنا :
أ- سر المعمودية :
† لا يوجد خلاص بدون المعمودية.. "الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3:3)، "الحق الحق أقول لك: إن كـان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقـدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 5:3)، "مَنْ آمن واعتمد خَلَص، ومَنْ لم يؤمن يُدَن" (مر 16:16)، "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه - لا بأعمال فى بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته - خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس" (تى 4:3،5).
† وقد مارس الآباء الرسل المعمودية منذ يوم حلول الروح القدس، ومازلنا نقتفى آثارهم.. "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 38:2).
† وهو نفس ما فعله فيلبس الرسول مع الخصى الحبشى.. "وفيما هما سائران فى الطريق أقبلا على ماء، فقال الخصى: هوذا ماء. ماذا يمنع أن أعتمد؟" (أع 36:8).
† وكذلك معلمنا بولس الرسول وسيلا مع سجان فيلبى.. "اعتمد فى الحال هو والذين له أجمعون" (أع 33:16).
† ومعلمنا بطرس الرسول مع كرنيليوس.. "أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قَبِلوا الروح القدس كما نحن أيضاً؟ وأمر أن يعتمدوا باسم الرب" (أع 47:10،48).
† وبولس الرسول مع ليديا.. "اعتمدت هى وأهل بيتها" (أع 15:16).وللمعمودية فعل باطنى سرائرى فى النفس "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 27:3)، وهى دفن مع المسيح "أم تجهلون أننا كلنا من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت" (رو 3:6،4)، والكنيسة تُعمد الأطفال لأن السيد المسيح أمرنا ألا نمنعهم "دعوا الأولاد يأتون إلىَّ ولا تمنعوهم، لأن لمِثل هؤلاء ملكوت الله. الحق أقول لكم: مَنْ لا يقبل ملكوت الله مِثل ولد فلن يدخله" (لو 16:18،17). ولأننا نؤمن أن المعمودية هى نعمة غنية مجانية.. فلذلك نحن لا نمنع النعمة عن الأطفال.
ب- سر الميرون المقدس :
تؤمن كنيستنا أن الروح القدس يحل علينا، ويسكن فينا عندما نُدهن بالميرون بعد المعمودية "وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 38:2).وبدون الروح القدس لا يمكن للإنسان أن يحيا حياة روحيـة، أو يكون له نصيب فى السماء.. إذًا لابد من هـذه المسحـة المقدسـة "وأما أنتـــم فلكـــم مسحة من القدوس وتعلمون كل شىء" (1يو 20:2)، "وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكــم، ولا حاجة بكم إلى أن يُعلِّمكم أحد، بل كما تُعلِّمكم هذه المسحة عينها عن كل شىء، وهى حق" (1يو 27:2).وكان قبلاً يُؤخذ الروح القدس بوضع الأيادى "حينئذ وضعا الأيادى عليهم فقبلوا الروح القدس" (أع 17:8). وقد رتب الآباء الرسل هذه المسحة لمنح الروح القدس بدلاً من وضع الأيادى.
ج- سر الإفخارستيا :
لكى نُدرك أهمية التناول من جسد الرب ودمه.. علينا أن نتأمل هذه الآيات :
† "الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. مَنْ يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه فى اليوم الأخير، لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق. مَنْ يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىَّ وأنا فيه. كما أرسلنى الآب الحى، وأنا حى بالآب، فمن يأكلنى فهو يحيا فىَّ. هذا هو الخبز الذى نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المَنَّ وماتوا. مَنْ يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (يو 53:6-58). وكنيستنا تُعلِّمنا فى القداس أن الجسد والدم "يُعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه" (القداس).. فلا توجد حياة أو خلاص أو غفران بدون التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين. وكنيستنا تؤمن أن الذى على المذبح هو جسد حقيقى ودم حقيقى "لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق" (يو 55:6).أما موضوع "اصنعوا هذا لذكرى" (لو 19:22).. فنحن نعرف أن الذكرى لا تُعنى أن الجسد الحاضر على المذبح هو رمز.. بل هو حضور حقيقى وحى للسيد المسيح فى القربانة.. فنذكر أعماله، وميلاده، وصليبه، وموته، وقيامته، وصعوده، وجلوسه عن يمين الآب، ومجيئه الثانى للدينونة.. "هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا" (قسمة أعياد الملائكة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010