المحبة المتفائلة

)

»اَلْمَحَبَّةُ تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ،

وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ،

وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ،

وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ« (1كورنثوس 13: 7).

قد تبدو الآية السابعة من أصحاحنا غير قابلة للتطبيق لأنها غير معقولة! هل يمكن أن واحداً يحتمل من إنسانٍ آخر كل شيء، ويصدِّق كل ما يقوله، ويرجو منه الأفضل باستمرار. وعندما لا يحدث شيء من هذا، يصبر على كل شيء؟! فهذه كلماتٌ كبيرة، متفائلة وشاملة »كل شيء«. ولكنها واقعية أيضاً، أجدها في المسيح، وأجدها أيضاً في الأم التي تستمد محبتها من محبة الله، كما أجدها في المؤمن الذي يسلك حسب الروح وليس حسب الجسد.


أجدها في المسيح:

إنه يحتملنا في خطايانا وبُعدنا. لقد قال لتلاميذه في العلية، وهو يعلم أنهم سيتركونه ويهربون بعد قليل: »لَا أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً... لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ« (يوحنا 15:15). فقد اعتبرهم أحباءه، مع أنهم لم يكونوا كذلك. وعندما نجيء إليه مصلِّين مع العشار: »اللّهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ« (لوقا 18: 13) يصدّقنا ويغفر لنا. ولو أن أحداً سأله: كيف تقبل هذا الخاطئ الخائن؟ لجاوبه: هذا العشَّار التائب الذي نزل إلى بيته مبرراً سيحيا حياة الاستقامة، وسيساعد غيره على أن يجد طريق التبرير. وحتى لو أخطأ فإني لا أسمح له أن ينطرح، بل سأسند يده (مزمور 37: 24).


أجدها في الأم:

إنها تحتمل من طفلها متاعب لا يمكن أن يحتملها أي شخص آخر. وفي وسط هذه المتاعب إذا أبدى الطفل بادرة ذكاءٍ بسيطة تهتف بفرح، وتمدحه، وتتوقع له مستقبلاً عظيماً. وهي تدافع عنه دائماً عندما يشتكي عليه أحد! وترى فيه أذكى وأجمل من وُلد على ظهر الأرض! وهذا بالطبع حُكمٌ شخصي لا موضوعي، لأن »عين المحبِّ عن كل عيبٍ كليلةٌ«! وعندما تراه يخطئ تؤمن أنه سيتغلب على أخطائه ويتعلم منها، وتثق أن مستقبل ولدها أفضل من ماضيه!


أجدها في المؤمن الروحي:

صدّق إبراهيم خليل الله وعد الله له، وظل عشرين عاماً ينتظر تحقيق الوعد بولادة ابن الموعد من زوجته سارة. واحتمل الكثير وصبر، »وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفاً فِي الْإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ - وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتاً، إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ وَلَا (اعتبر) مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. وَلَا بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللّهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالْإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلّهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضاً« (رومية 4: 19-22).

يملك الروح القدس قلب المؤمن الروحي، ويعلّمه أمور الله، فتنسكب محبة المسيح في قلبه ويملأه فكر المسايح (رومية 5:5). عندها يحيا حياة المحبة التي تحتمل كل شيء. وينفّذ وصية الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: »وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً« (2تيموثاوس 2:2). وفي أثناء هذا التدريب يثق المعلم في تلميذه، كما وثق معلِّمه فيه من قبل. وثق بولس في تيموثاوس، ودرّبه واحتمله، وصدّق أن الله سيستخدمه للبركة، فوضع تيموثاوس ثقته في الذين درَّبهم. وهكذا تُمارس المحبة التي تحتمل وتصدق وترجو وتصبر، لأنها تعلم أن الروح القدس يستخدم الكلمة فتأتي بثمر »لِأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الْأَرْضَ وَيَجْعَلَانِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلّزَارِعِ وَخُبْزاً لِلْآكِلِ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لَا تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ« (إشعياء 55: 10 و11). وهكذا يصدِّق المعلِّم عمل نعمة الله، وباستمرارٍ يرجو أن ابنه الروحي سيكون أفضل منه.

عندما طلب أليشع من إيليا روح اثنين، قال له إيليا: »صعَّبْتَ السؤال« (2ملوك 2: 10). فقد كان الأمر صعباً على أليشع لو استجاب الله طلبه، لأن الاستجابة تعني أن مسئولياتٍ هائلةً تنتظره، ضِعف المسئوليات الهائلة التي واجهت إيليا. كما كان سؤال أليشع صعباً على إيليا، لأن الرب هو الذي يمنح روح اثنين من إيليا، وليس إيليا هو الذي يمنح. ورغم ذلك لم يوبّخ إيليا تلميذه أليشع بحجّة أنه طماع أو طموح أكثر من اللازم، بل بالعكس فرح به لأنه يحبه، وقال له: »إن رأيتني أُوخذ منك يكون لك كذلك«.

والأب الروحي عندما يكتشف أن تلميذه أخطأ يصبر عليه لأنه صبور طويل الأناة، قلبه عامر بالمحبة التي يمنحها الروح القدس، وهي المحبة التي تتأنى وترفق.

المحبة المتفائلة تصدِّق اعتذار المخطئ وتعطيه فرصةً جديدة. وعندما يتأخر عن الوفاء بالوعود تنتظر المحبة أن تنصلح الأمور وترجو الإصلاح. ولما لا تتحقق الوعود تصبر المحبة على كل شيء لأنها تغفر الفشل وترجو الخير. وتعلِّمنا هذه الآية أن المحبة المتفائلة تتوقع الأيام الحلوة والمواقف الأفضل مهما كانت الظروف الحالية سيئة. فلنتأمل كيف تتصرف المحبة المتفائلة.


المحبة تحتمل كل شيء

المحبة الحقيقية تحتمل كل شيء كما احتمل يعقوب الكثير من أجل محبته لراحيل ابنة خاله، فخدم خاله سبع سنوات ثم سبع سنوات أخرى ليتزوج منها، وكانت تلك السنوات في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها (تكوين 29: 20) وقد وصف يعقوب تلك السنوات بقوله: »كُنْتُ فِي النَّهَارِ يَأْكُلُنِي الْحَرُّ وَفِي اللَّيْلِ الْجَلِيدُ، وَطَارَ نَوْمِي مِنْ عَيْنَيَّ« (تكوين 31: 40).

والمحبة التي تحتمل كل شيء تفعل أمرين: (أ) تغفر الإساءة و(ب) تستر العيوب.

(أ) إنها تغفر الإساءة، وتتعايش مع المسيء:

إنها كاحتمال المسيح للخاطئ وهو يقف أمام باب قلبه يقرع، حتى يسمع ويفتح. فالمعطي لا يزال يقف ويقرع والمحتاج لا يسمع. ولكن المعطي يعرف أن المحتاج في مشكلة، وإن كان لا يدري بها، فيحتمله ويظل يقرع لينقذه مما هو فيه.

ولقد تعلَّم الرسول بولس من مثال المسيح، فاحتمل أهل كورنثوس، وكتب لهم يقول: »فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللّهِ، فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ، فِي طَهَارَةٍ، فِي عِلْمٍ، فِي أَنَاةٍ، فِي لُطْفٍ، فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، فِي مَحَبَّةٍ بِلَا رِيَاءٍ« (2كورنثوس 6: 4-6).

وفي سبيل خدمة المسيح احتمل الرسول بولس شوكة الجسد التي أصابته، والتي قال عنها: »مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: »تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لِأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ«. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالِاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لِأَجْلِ الْمَسِيحِ. لِأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ« (2كورنثوس 12: 8-10).

المحبة تحتمل، وقد قال المسيح: »وَمَنْ لَا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً« (لوقا 14: 27). وقال أيضاً: »وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ« (متى 10: 22). فالمحبة التي من الروح القدس هي التي تحتمل إلى أن يحقق لها الروح القدس ثمر احتمالها.

(ب) والمحبة التي تحتمل تستر العيوب:

يقول سليمان الحكيم: »الْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ« (أمثال 10: 12). وجاءت نفس الفكرة في قول الرسول بطرس: »الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا« (1 بطرس 4: 8).

وقول الرسول بولس: »المحبة تحتمل كل شيء« يعلّمنا أن الذي يحب المسيح يحتمل متاعب الحياة، ويغفر إساءة الآخرين إليه ويستر عيوبهم، راضياً، لأنه يحب المسيح ويحبهم، ويريد أن يتمتع بعلاقةٍ حلوة مع المسيح. إنه مثل الفنان الذي يحتمل الكثير في سبيل فنّه، ويقف أمام لوحته ساعات طويلة، ويحرم نفسه من مسراتٍ متنوعة، لأنه يحب الفن!


المحبة تصدّق كل شيء

أ - لأنها تركّز على قوة المسيح المغيِّرة، ولا تركّز على الشر:

كان المؤمنون يخافون من شاول الطرسوسي ويسمعون أخباره برعب. وعندما طلب الرب من حنانيا أن يذهب إليه ليعمّده خاف حنانيا، لأن شاول أوقع شروراً كثيرة بقديسي الرب. لكن الرب في محبته طمأن قلب حنانيا، وقال له إن شاول في انتظاره، وإنه بعد معموديته سيتحمل الألم في سبيل المسيح بعد أن يصبح خادماً له. وقد تحقَّق كل ذلك، وتغيَّر شاول تماماً، وبدل أن يلقي القبض على حنانيا، سمح لحنانيا أن »يُلقي القبض عليه« فيعمِّده خادماً للمسيح وأسيراً لمحبة الصليب (أعمال 9: 10-22). لقد صدّق حنانيا إعلان الرب له رغم صعوبة تصديقه، لأنه يعلم مقدار قوة المسيح المخلِّص، ومقدار محبته للنفس الخاطئة.

جمع المسيح مجموعةً ضعيفة من الناس لا حَوْل لهم ولا قوة اجتماعية ولا ثروة ولا درجات علمية، معظمهم من الصيّادين، وقال لهم إنه سيجعلهم »صيادي الناس« (مرقس 1: 17). ولم يكن من السهل أن يصدقوا أن الله سيصنع بهم عجائب ويؤسس بهم ملكوت السموات. ولكن محبتهم للمسيح صدَّقت الذي أحبهم واختارهم، فآمنوا أن ملكوت السموات »يُشْبِهُ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا« (متى 13: 31 و32).

ويتكلم الرسول بولس عن قوة الله الفاعلة في المسيح فيقول: »عمل شدّة قوته الذي عمله في المسيح، إذ (1) أقامه من الأموات و(2) أجلسه عن يمينه في السماويات و(3) أخضع كل شيء تحت قدميه« (أفسس 1: 19-22). وهذه القوة نفسها التي أقامت المسيح (1) تُقيمنا من موت خطيتنا، و(2) تُجلسنا عن يمينه في السماوات، و(3) تعطينا نعمة الخضوع الكامل له، بعمل الروح القدس في قلوبنا.

ب - المحبة التي تصدّق كل شيء لا تركّز على متاعب الحياة، لكنها تركّز على رب العناية:

»الْإِنْسَانُ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ... قَلِيلُ الْأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَباً« (أيوب 5: 7 و14: 1) حقاً تمتلئ حياتنا بالمتاعب. ولو أننا ركزنا عليها سنضيع. لكن تركيزنا على عناية إلهنا يرحمنا ويرفعنا. سأل إبراهيم المولى: »أَدَيَّانُ كُلِّ الْأَرْضِ لَا يَصْنَعُ عَدْلاً؟« (تكوين 18: 25). نعم، سيصنع عدلاً! والمحبة تصدّق أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده، مهما كانت ظروفهم. فإن الله دائماً يحوِّل نتائج الشر إلى خير.

كلنا يذكر كيف مشى الرسول بطرس على الماء. ولكن ما إن أدار وجهه عن المسيح وحوَّله إلى الأمواج الهائجة حتى أخذ في الغرق (متى 14: 22-33). وفي هذا درسٌ بليغ لنا كلنا.


المحبة ترجو كل شيء

أ - لأن رجاء المحبة مبنيٌّ على قوة خارجها هي قوة الله:

ويقدّم لنا أب المؤمنين إبراهيم نموذجاً لذلك، فقد وعده الله: »جعلتك أباً لأممٍ كثيرة« مع أنه لم يكن قد أنجب. ولكن إبراهيم كان متأكداً أن الله هو الذي يحيي الموتى، ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة. فعلى خلاف الرجاء البشري آمن إبراهيم على رجاء الوعد الإلهي أن يصير أباً لأمم كثيرة، كما قيل له: »هكذا يكون نسلك«. وتقّوى إبراهيم بإيمانه بصِدْق مواعيد الله، وأعطى المجد لله، وتيقَّن أن الله قادر أن يفعل ما وعد به، لأنه اختبر محبة الله وأمانته (رومية 4: 17-21). ولم يسجل الوحي هذه الحادثة عن إبراهيم وحده، بل عن كل من يؤمن إيمان إبراهيم، ويرجو تحقيق كل مواعيد الله، فيحسب الله له هذا الإيمان »براً«.

والمحبة التي ترجو كل شيء تعرف قوة الله ورحمته ونعمته. لقد هجر الابن الضال بيت أبيه، ثائراً على أسلوب أبيه في الحياة. لكن الأب المحب كان يعلم أن ولده لن يجد مكاناً أفضل من بيت أبيه، فكان كل يوم يترقّب الطريق، لعل الضال يرجع. ولما قرر الضال أن يعود، وإذ كان لم يزل بعيداً، رآه أَبوه فتحنّن عليه، وركض إليه ووقع على عنقه وقبّله (لوقا 15: 11-24). وقد نالت المحبة الراجية ما كانت تأمل فيه، وحقَّق الله للأب عودة ولده.

ولقد صلَّت القديسة مونيكا من أجل ولدها أغسطينوس 34 سنة. ولكنها كلما صلَّت لأجله زاد ضلالاً. والتقت الأم الباكية المصلّية بالقديس أمبروز في ميلانو واشتكت له عدم استجابة الصلاة، فسألها: »هل تصلّين لأجله بدموع؟« فأجابت الأم: »نعم بدموع«. فقال لها عبارة خالدة: »ابن الدموع لا يمكن أن يضيع«. ولم يضِعْ أغسطينوس، بل عاد للرب قديساً مباركاً. وقال القديس أغسطينوس في اعترافاته: »يا إلهي، كنت تناديني فأقول لك: ليس الآن، فتعود تنادي، وأعود أقول: ليس الآن، فتنادي حتى قلتُ لك: هئنذا«!

محبة الله، ومحبة الأم، وكل محبة مصدرها المسيح ترجو كل شيء.

هل شريك حياتك بعيد عن الرب؟ المحبة ترجو كل شيء.

هل أخوك بعيد عن الرب؟ المحبة ترجو كل شيء.

لا يأس مع المسيح!

ب - والمحبة متفائلة ترجو كل شيء لأنها تعلم أن الذي جرى معها سيجري مع غيرها:

فليس عند الله تغييرٌ ولا ظل دوران (يعقوب 1: 17) والمسيح »هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الْأَبَدِ« (عبرانيين 13: 8). وعندما يدرك الرب نفساً بعيدة عنه ويردّها إلى حظيرة الإيمان تدرك هذه النفس أن الضال سيعود مهما طال زمن الضلال، لأن محبة الله لا تتغيّر، وحاجة النفس لا تتغيّر، وعمل الروح القدس لا يتغيّر. وفي أملٍ كامل تقول تلك النفس مع الرسول بولس: »أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ« (فيلبي 3: 12). لقد أدرك المسيح شاول الطرسوسي الهارب منه وأمسك به وتوَّبه. فإن كان القاسي المقاوِم العنيد قد صار تابعاً للمسيح، فلا بد أن غيره من المقاوِمين القُساة العنيدين يمكن أن يصبحوا من أتباع المسيح، لأن المحبة ترجو كل شيء!


المحبة تصبر على كل شيء

ماذا تفعل المحبة عندما تحتمل وتصدِّق وترجو وتنتظر، دون أن يتحقّق لها ما كانت تأمل فيه؟ الإجابة إنها تصبر، لا صبر اليائس العاجز، بل صبر الراجي الذي يقول مع المرنم: »عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ« (مزمور 30: 5). فلا بد من نهاية الليل، ولا بد من شروق الشمس!

عندما كانت مدينة السامرة محاصرة والشعب جائعاً، كان الملك يلبس المسوح ويقول: »مِن أين أخلصكم؟ أَمِن البيدر أو من المعصرة؟« فلم تكن هناك حبوب ولا زيت ولا عنب. ولكن النبي أليشع الذي رأى محبة الله وقدرته قال بكل أمل: »فِي مِثْلِ هذَا الْوَقْتِ غَداً تَكُونُ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِلٍ وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِلٍ فِي بَابِ السَّامِرَةِ«. وقد كان! (2 ملوك 7: 1).

المحبة تصبر لأنها تعلم أن تدخُّلات النعمة الإلهية دائماً تجيء في موعدها، وتدرك أن الله سيسرع بالخلاص.

صبرت علينا محبة الله حتى تُبْنا، واحتملت عصياننا حتى أطعنا. فهل نصبر محتملين المُسيء إلينا؟

صدَّقتنا محبة الله وأعطتنا فرصة جديدة. فهل يمكن أن نعطي شخصاً أساء إلينا فرصة جديدة ليتوب ويرجع إلى الله؟

وضعت فينا محبة الله أملاً كبيراً. فهل يمكن أن يكون لنا أمل في شخص آخر؟

»المحبة تحتمل وتصدّق وترجو وتصبر على كل شيء«.

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك احتملتنا وصدّقتنا عندما تُبنا إليك، وانتظَرْتَ أن نكون مؤمنين صالحين. وعندما أسأنا التصرُّف صبرت علينا. ساعدنا لنحتمل غيرنا، ولنصدّق المسيئين إلينا عندما يعتذرون لنا. أعطنا أن نرجو منهم خيراً، وأعطنا أن نصبر على ضعفاتهم كما صبرت أنت علينا، لنكون شفوقين متسامحين كما سامحنا الله أيضاً في المسيح.

عمِّق فينا هذا الدرس ونحن في محضرك كل لحظة. ساعدنا لنفعل حباً فيك وفي المحيطين بنا. . آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010