أمير

عاش أمير مع أخوته الأمراء سعداء فى قصر أبيهم الفسيح، تحيط به حديقة جميلة بها أنواع كثيرة من النباتات و الطيور و الحيوانات الأليفة.
كان الأخوة ينعمون بالعيش فى القصر و اللعب فى الحديقة، أما أجمل أوقاتهم فيقضونها حينما يحضر أبوهم، يسمعهم و يتكلم معهم. و فى أحدى تلك المرات سأله الأمير: "يا والدى ماذا يوجد خارج أسوار القصر؟"
أجابه الملك: "لقد سألتنى هذا السؤال من قبل يا ابنى، و قلت لك إن خارج هذه الأسوار ظلام شديد، يسكنه أُناس أشرار هم أعداء لمملكتى. لماذا تسأل هذا السؤال دائماً؟"
" فقط حب أستطلاع يا والدى"
"حسناً و لكن أحذر لئلا يقودك إلى ما لا يُحمد عقباه"
"لا تقلق علىّ يا أبت"
أنتهت المناقشة عند هذا الحد و لكن الأمير لم يهدأ باله إذ ظل يُفكر فيمل يوجد وراء الأسوار. و فى اليوم التالى نزل إلى الحديقة و مشى بجانب السور يتفحصه لعله يجد ثغرة يستطيع منها أن يطل على الخارج، و فى النهاية اليوم
وجدها...
ثغرة صغيرة جداً بالكاد تسع قبضة يده. لم يصدق نفسه، لقد وجد ما كان يشتهيه أخيراً، و من شدة فرحه أخذ يجرى نحو القصر لئلا تنكشف لعبته، و فى نيته العودة مرة أخرى ليستكشف المكان.
لم يلاحظ آباه الذى كان واقفاً على باب القصر إلا عندما بادره قائلا: "أين كنت يا أبنى؟"
"هه، آه كنت فى الحديقة"
"أعلم أنك كنت فى الحديقة. ماذا كنت تفعل؟"
"كنت أفحص السور"
"و ماذا وجدت؟"
تردد الأمير قليلا ثم قال: "وجدت ثغرة فى السور "
"إذن لقد وجدتها"
"نعم يا والدى، و لكن لماذا صنعت هذه الثغرة وسط كل هذا السور المنيع؟"
"لأنى أريد أن أولادى الذين يمكثون معى يفعلون ذلك عن حب، و ليس لأنى أرغمهم على البقاء معى"
"و لكن ألم يكن من الأسهل أن تصنع السور كله منيعاً، حتى لا تساور أحد أفكار الخروج و استكشاف ما وراء السور "
"بالطبع أسهل كثيراً، و لكنى أحب أولادى و أساس الحب الحرية"
سكت الأمير قليلا، و بدت عليه علامات الحيرة.
"يا ابنى، أنصحك أن تبتعد عن السور تماماً، افرح مع إخوتك و العب معهم، تمتع بالحديقة الجميلة التى صنعتها من أجلكم، كل هذا القصر و الحديقة ممتلئ بكل ما تحبون، ابعد فكرك عن السور و انشغل بما وهبته لك"
"نعم يا أبت"
و لكن الأمير لم يسمع نصيحة والده بل كان يترك اخوته يمرحون فى الحديقة و يتسلل ليجلس أمام السور عند الثغرة عدة ساعات كل يوم، يفكر فيما وراء السور.
و ذات يوم لم يطق صيراً فنهض من جلسته، و قال فى نفسه: "لن أخرج كلى سأخرج رأسى فقط و أرى بعينى"... و يا للعجب لقد اتسعت الثغرة عندما وضع رأسه من خلالها فخرجت من الجانب الآخر.
اتسعت عينا الأمير بالدهشة فلم يكن المكان مظلماً كما قال أبوه، بل بالعكس كان فيه نباتات جميلة و أشجار وارفة كما أنه لم ير من الأعداء الذين حذره منهم أباه. فكر أن والده لم يكن على حق عندما قال إن المكان بالغ الخطروة، فقال :سأنزل و أرى بنفسى..."
نزل الولد من الفتحة التى فى السور إلى أرض الأعداء، و أخذ يتأمل بإعجاب كل ما حوله. و لكن بعد عدة خطوات بدأ يستنشق رائحة كريهة، و بعد لحظات أخرى وجد رجليه تغوصان فى وحل و طين قذر... أخذ يحاول شد نفسه فلم يستطع، فعلا صوته بالصراخ طالبا نجدة و ما هى إلا لحظات حتى كان يجيط به رجال سود، شكلهم فى غاية القباحة و كل منهم ممسك برمح و سهام و قوس فى يده...
أخذ يحاول الرجوع من حيث أتى و لكنه لم يجد الفتحة التى جاء منها.
اقترب منه الأعداء و أمسكوا بيديه و قالوا لبعضهم: "هذا كان صيدا سهلا، الآن سنتعشى عشاء فاخرا"
أما هو فنادى على والده بكل ما فيه من عزم، و هنا رأى والده قادماً مسرعاً من على بعد، فلما رآه الأعداء تركوا الولد و هجموا على الأب فعروه و ضربوه ضرباً مبرحاً ثم جرحوه جراحات عميقة نزف على إثرها حتى كاد أن يموت و لكنه قبل أن يسلم الروح أشار بيديه إلى ابنه و أراه طريق العودة، فنظر الولد وإذ الفتحة قد عادت فى السور فجرى ناحيتها و قبل أن يدخل ألقى نظرة على أباه فوجده قد أسلم الروح.
دخل الولد قصر أبيه و هو يبكى بكاء مرا و هو يقول: "كل هذا بسببى، أنا الذى قتلت أبى، لقد مات و هو ينجدنى. أنا الذى كنت يجب أن أموت لا هو. لقد أحبنى حتى مات عنى و أنا لم أكن أحبه بالقدر الذى يجعلنى أطيعه، لقد حذرنى مرات كثيرة و لكنى بغباوة تصرفت. آه يا والدى سامحنى على ما فعلته بك، أنا الجانى".
استمر الولد على هذا الحال ثلاث أيام لم يذق فيها طعم النوم و لا الأكل. و لكن فيما هو فى البستان فى فجر اليوم الثالث رأى والده مقبلا من بعيد و لكنه شك و قال فى نفسه: "ربما كا البستانى". و لكن والده نادى عليه فجرى نحوه و ارتمى فى أحضانه و أخذ يقبله و هو يقول: "سامحنى يا ابت لقد أخطأت فى حقك، لم أطيعك و مشيت وراء عناد قلبى"
فرد أبوه بحنان بالغ: "لقد سامحتك يا أبنى"
"و لكنى أود ان أسألك سؤلا لماذا لم أرى الفتحة فى السور عندما كنت فى الجانب الآخر، لماذا أختفت؟"
"لأن هذه الفتحة ذات أتجاه واحد فقط، لابد أن أموت أنا حتى ترى طريق العودة، و الآن هل تريد أن تخرج مرة أخرى؟"
فخر الأمير على ركبتيه أمام والده: "لا يا أبتى فأنا أحبك و لا أريد أن أفارقك لحظة واحدة، سأعيش أتمتع مع إخوتى بحبك الفائق "

سلام الرب لكم :
القصة جميلة جدا وفعلا ربنا أتصلب علشانا وللأسف فى الأخر بنسيبه أو بنخطى ولما بيفوت الأوان بيجيلنا هو ويحمينا ويفدينا بدمه
`17`

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010