محاكمة يســــــــوع



المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

تُحَدِّثُنَا هذِهِ الْقِصّةَ عَنْ إلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَى يَسُوْعَ الَّذِي اتُّهِمَ بِجَرَائِمَ لَمْ يَرْتَكِبْهَا قَطُّ ، ثُمَّ قُتِلَ بِتَثْبِيْتِهِ بِمَسَامِيْرَ عَلَى صَلِيْبٍ مِنْ خَشَبٍ .

يُمْكِنُكَ العُثُوْرُ عَلَى هذِهِ القِصَّةِ – قِصَّةِ الْجُمْعَةِ الْعَظِيْمَةِ الأُوْلَى - فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، قُبَيْلَ نِهَايَةِ الأَنَاجِيْلِ الأَرْبَعَةِ : مَتّى وَمَرْقُسَ ولُوْقا وَيُوْحَنَّا .

كَانَ يَسُوْعُ وَتَلامِيْذُهُ فِي أُوْرَشَليْمَ ، حَيْثُ تَنَاوَلُوْا عَشَاءَ الْفِصْحِ مَعاً ، ثُمَّ سَارُوْا عَلَى مَهَلٍ ، خَارِجَ الْمَدِيْنَةِ ، مُصَعِّدِيْنَ عَلَى الطَّرِيْقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى بُسْتَانِ زَيْتُوْنٍ يُدْعَى بُسْتَانَ الْجِسْمَانِيَّةِ .

وَقَالَ يَسُوْعُ : " امْكُثُوْا ههُنَا ، رَيْثَمَا أُكَلِّمُ اللهَ ، أَبِي ، وَصَلُّوْا لأَجْلِي ، فَهذِهِ هِيَ أَصْعَبُ سَاعَةٍ فِي حَيَاتِي " .

ثُمَّ مَضَى يَسُوْعُ ، وَرَكَعَ عَلَى الأَرْضِ .

وَدَعَا اللهَ قَائِلاً : " أَرْجُوْكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنْ كُلِّ هذَا الأَلَمِ ، وَهذَا النِّزَاعِ . كَيْفَ لِيْ أَنْ أَحْتَمِلَ ؟ وَلكِنْ إِنْ كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَمُوْتَ ، كَيْ تَجْذِبَ الْبَشَرَ إِلَى مَلَكُوْتِكَ ، فَأَنَا رَاضٍ بِالْمَوْتِ " .

وَلَمَّا عَادَ إِلَى التَّلامِيْذِ وَجَدَهُمْ مُسْتَغْرِقِيْنَ فِي النَّوْمِ ، فَأَيْقَظَهُمْ ، سَائِلاً " أَلَمْ تَسْتَطِيْعُوا أنْ تَظَلُّوْا مُسْتَيْقِظِيْنَ مِنْ أَجْلِي ؟ "

ثُمَّ قَالَ يَسُوْعُ : " انْظُرُوْا : هَا إِنَّ قَوْماً قَادِمُوْنَ لِلْقَبْضِ عَلَيَّ " .

وَاسْتَطَاعَ التَّلامِيْذُ أَنْ يَلْمَحُوْا ، مِنْ خِلالِ الأَشْجَارِ ، جُنُوْداً آتِيْنَ بِمَشَاعِلَ وَسُيُوْفٍ . وَأَخَذَ يُسَيْطِرُ عَلَيْهِمِ الْخَوْفُ . وَتَبَيَّنُوْا ، آنَذَاكَ ، أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَقُوْدُ الْجُنُوْدَ ، كَانَ وَاحِداً مِنَ التَّلامِيْذِ ، صَدِيْقَهُمْ يَهُوذَا .

وَكَانَ كَهَنَةُ الْيَهُوْدِ قَدْ قَدَّمُوْا لِيَهُوْذَا مَبْلَغاً كَبِيْراً مِنَ الْمَالِ ، لِمُسَاعَدَتِهِمْ فِي الْقَبْضِ عَلَى يَسُوْعَ . وَتَقَدَّمَ يَهُوْذَا مِنَ يَسُوْعَ وَقَبَّلَهُ ، كَيْ يَدُلَّ الْجُنُوْدَ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي يَنْبَغِيْ الْقَبْضُ عَلَيْهِ .

وَتَجَمْهَرَ حَشْدٌ مِنَ الْجُنْدِ حَوْلَ يَسُوْعَ ، وَقَدِ اسْتَلُّوْا سُيُوْفَهُمْ .

فَقَالَ لَهُمْ يَسُوْعُ : " مَا حَاجَتُكُمْ إِلَى السُّيُوفِ ؟ أَلَمْ تُشَاهِدُوْنِي في الْهَيْكَلِ الْيَوْمَ ؟ فَلِمَ لَمْ تَقْبِضُوْا عَلَيَّ ؟ "

وَخَافَ التَّلامِيْذُ خَوْفاً شَدِيْداً ، فَفَرُّوْا هَارِبِيْنَ ، وَلَمَّا أَخَذَ الْجُنْدُ يَسُوْعَ ، وَمَضَوْا بِهِ ، عَادَ التَّلامِيْذُ إِلَى الْعُلِيَّةِ الصَّغِيْرَةِ ، حَيْثُ كَانُوا قَدْ تَنَاوَلُوا الْعَشَاءَ مَعاً

وَلكِنَّ سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَحْدَهُ لَحِقَ بِيَسُوْعَ ، وَسَارَ عَلَى مَهْلٍ ، وَرَاءَ الْجُنُوْدِ ، لِيَرَى إلَى أَيْنَ يَقُوْدُوْنَهُ .

وَاقْْتِيْدَ يَسُوْعُ إِلَى مَنْزِلِ رَئِيْسِ الْكَهَنَةِ ، فَقَدْ كَانَ الْكَهَنَةُ قَدْ قَرَّرُوْا تَوْقِيْفَهُ وَاسْتِجْوَابَهُ لَيْلاً ، إِذْ إِنَّهُ طِيْلَةَ النَّهَارِ كَانَ مُحَاطاً بِجُمُوْعِ غَفِيْرَةٍ .

وَإذْ لَمْ يَكُنْ يَسُوْعُ قَدِ ارْتَكَبَ أَيَّ خَطَأٍ ، فَقَدِ اضْطُرَّ الْكَهَنَةُ إلى رَشْوَةِ بَعْضِ النَّاسِ كَيْ يَشْهَدُوا بِشَهَادَاتِ زُوْرٍ عَلَيْهِ .

وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُ الْجُنُوْدَ ، وَلكِنْ عِنْدَمَا ذَهَبُوْا بِهِ لاسْتِجْوَابِهِ ، انْتَظَرَ خَارِجاً ، مَعَ بَعْضِ الْخَدَمِ ، ثُمَّ دَنَا مِنَ النَّارِ يَسْتَدْفِئُ .

وَسَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ رَئِيْسَ الْكَهَنَةِ يَسْأَلِ يَسُوْعَ : " أَصَحِيْحٌ أَنَّكَ ابْنُ اللهِ ، ذَاكَ الَّذِي وَعَدَ بِإِرْسَالِهِ ؟ "

فَأَجَابَ يَسُوْعُ : " أَجَلْ ، أَنَا هُوَ " .

فَصَاحُوْا : " هَا قَدْ سَمِعْنَا أَكَاذِيْبَكَ بِآذانِنَا . وَسَنَحْكُمُ عَلَيْكَ بالْمَوْتِ ، بِسَبَبِ ادِعَائِكَ أَنَّكَ ابْنُ اللهِ".

وَفِي الْخَارِجِ ، حَيْثُ كَانَتِ الْعَتْمَةُ مُخيِّمَةً ، اقْتَرَبَتْ فَتَاةٌ خَادِمَةٌ مِنَ النَّارِ ، وَحَدَّقتْ فِي بُطْرُسَ الَّذِي أَضَاءَ وَجْهَهُ اللَّهَبُ الْمُتَرَاقِصُ ، فِيْمَا كَانَتْ يَدَاهُ مَمْدُوْدَتَيْنِ فَوْقَ الحَطَبِ الْمُشْتَعِلِ ، وَسَأَلَتْهُ:

" أَلَسْتَ ، أَنْتَ ، أَحَدَ تَلامِيْذِ يَسُوْعَ ؟ "

وَخَافَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ ، فَأَجَابَ عَلَى الْفَوْرِ :

" كَلاّ ، بِالتَّأْكِيْدِ ، أَنَا لَسْتُ مِنْهُمْ ، وَإِنَّنِي لَمْ أَلْقَ قَطُّ ، ذلِكَ الرَّجُلَ " . ثُمَّ كَرَّرَ الإِنْكَارَ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ .

وَطَلَعَ الْفَجْرُ ، فَصَاحَ دِيْكٌ ، وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ اقْتِيْدَ يَسُوْعُ خَارِجاً . فَحَدَّقَ فِي سِمْعَانَ بُطْرُسَ الَّذِي فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً : " فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ وَعَدْتُ بِأَنْ أَكُوْنَ صَدِيْقَهُ إِلَى الأَبَدِ ، وَهَا أَنا ذَا أُنْكِرُ حَتَّى مَعْرِفَتَه " .

وَفَرَّ سِمْعَانُ بُطْرُسُ بَعِيْداً ، وَهُوَ يَبْكِي .



وَحِيْنَئِذٍ أَخَذَ الْجُنْدُ يَسُوْعَ إِلَى بِيْلاطُسَ ، وَالِي الامْبَرَاطُوْرِ فِي أُوْرَشَلِيْمَ .

وَسَأَلَ بِيْلاطُسُ يَسوْعَ : " هَلْ أَنْتَ تُحَاوِلُ الاسْتِيْلاءَ عَلَى الْحُكْمِ ؟ "

فَأَجَابَ يَسُوْعُ : " مَلَكُوْتِي لَيْسَ لَهُ بِهذَا الْعَالَمِ صِلَةٌ . أَنْتَ تَقُوْلُ إِنَّنِي مَلِكٌ ، وَلكِنَّنِي ، أَنَا ، مَا جِئْتُ إِلَى هذَا الْعَالَمِ ، إلاّ لِكَيْ أُبَشِّرَ النَّاسَ بِحَقِيْقَةِ اللهِ " .

فَقَالَ بِيْلاطُسُ : " إِذَنْ ، لَسْتُ أَرَى لِكُلِ هذِهِ الضَّجَةِ سَبَباً " .

ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْكَهَنَةِ وَقَال : ط لا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَجِدَ ذَنْباً يَديْنُ هذَا الرَّجُلَ " .

فَصَاحَ الْكَهَنَةُ : " إِنَّهُ يَدَّعِيْ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ ، فَهُوَ ،

بِالتَّالِي ، وَفْقَ شَرِيْعَتِنَا يَسْتَحِقُ المَوْتَ " .

وَعَادَ بِيْلاطُسُ فَسَأَلَ : " وَلكِنْ أَيُّ ذَنْبٍ اقْتَرَفَ ؟ "

فَاكْتَفَوْا بِالصِّيَاحِ : " اصْلِبْهُ ! اصْلِبْهُ ! "

وَمَلَّ بِيْلاطُسُ مِنْ مُنَاقَشَةِ الْكَهَنَةِ ، وَإِذْ كَانَ يَخافُ قِيَامَةَ شَغَبٍ يُثِيْرُ غَضَبَ الامْبَراطُوْرِ وَافَقَ عَلَى صَلْبِ يَسُوْعَ وَفَرِحَ الكَهَنَةُ ، إِذْ تَسَنَّى لَهُمْ أَخِيْراً التَّخَلُّصُ مِنْ يَسُوْعَ .

أَمَّا الشَّعْبُ كُلَّهُ ، الَّذِيْ يُحِبُّ يَسُوْعَ ، فَكَانَ

يُرَاقِبُهُ ، فِي حُزْنٍ ، وَقَدْ حَمَلَ صَلِيْبَهُ الْخَشَبِيَّ ، وَصَعِدَ بِهِ نَحْوَ التَّلَّةِ ، خَارِجَ الْمَدِيْنَةِ . فَقَدْ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَكُوْنَ يَسُوْعُ عَلَيْهِمْ مَلِكاً .

وَكَانَ يَسُوْعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يُحَقِّقُ الْمُهِمَّةَ الَّتِي

أَوْكَلَهَا إِلَيْهِ اللهُ . وَمِنْ عَلَى الصَّلِيْبِ ، نَظَرَ يَسُوْعُ إِلَى أَسْفَلٍ فَرَأَى تَلامِيْذَهُ ، وَأُمَّهُ مَرْيَمَ . وَكَانَ يَعْلَمُ أَيُّ حُزْنٍ سَيُصِيْبُهُمْ بِسَبَبِ مَوْتِهِ .

فَقَالَ لِيُوْحَنَّا ، أَحَدِ أَصْدِقَائِهِ الْمُقَرَّبِيْنَ : " اعْتَنِ بِأُمِّي ، يَا يُوْحَنَّا ، إِكْرَاماً لِي ، كَمَا لَوْ كُنْتَ ابْنَهَا" .

وَخَاطَبَ اللهَ قَائِلاً : ط اغْفِرْ لِهذَا الشَّعْبِ ، فَهُمْ لا يُدْرِكُوْنَ مَا يَفْعَلُوْنَ " .

وَحِيْنَئِذٍ أَسْلَمَ الرُوْحَ . فَقَالَ أَحَدُ الجُنْدِ الْقَائِمِيْنَ عَلَى الْحِرَاسَةِ : " لَقَدْ كَانَ حَقّاً ابْنَ اللهِ " . وَاسْتَوْلَى عَلَى التَّلامِيْذِ حُزْنٌ عَمِيْقٌ لأَنَّهُمْ ظَنُّوْا أَنَّ كُلََّ شَيْءٍ قَدِ انْتَهَى وَلَنْ يَرَوْا يَسُوْعَ مِنْ بَعْدُ. وَلكِنَّهُمْ كَانُوْا عَلَى خَطَأٍ .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

تورد الأناجيل الأربعة أحداث القبض على يسوع ومحاكمته وموته في الفصلين 26 و 27 من إنجيل متى ، والفصلين 14 و 15 من إنجيل مرقس ، والفصلين 23 و 24 من إنجيل لوقا ، والفصلين 18 و 19 من إنجيل يوحنا .

وواضحٌ من جميع الروايات أن ما سيقَ عليه من تُهَمٍ ، كانَ كلُّه باطلاً . وبيلاطسُ نفسه لم يستطع أن يدينه بذنب اقترفه . ومع ذلك حكمَ عليهِ بالموتِ بسبب خوفِه من الثورةِ المتوعدة.

وَإننا نحن من يَستأهلُ مثلَ الحُكمِ ، بسببِ كلِّ الأخطاء التي ارتكبناها وكَفَّرَ يسوع عنها مرّةً وإلى الأبد .

الكتاب التالي (48) ، في هذه السلسلة عينها ، عنوانه " الفصح الأوّلُ " ، ويَروي قِصّةَ أسعدِ يَومٍ على الإطلاقِ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010