مقدمة في رسالة تيطس

تركز هذه الرسالة الرائعة على أهمية الأعمال الصالحة في حياة الكنيسة بأساقفتها وقسوسها وشعبها بأكمله.

وقد كتب الرسول بولس هذه الرسالة إلى تيطس أسقف جزيرة كريت، التي اشتهر أهلها بالكذب والشراسة (1 : 12 ، 13). وقد كان تيطس أممياً وواحداً من تلاميذ الرسول بولس الذين آمنوا على يديه ، وقد صحب بولس وبرنابا إلى أورشليم بعد حوالي 17 سنة من إيمان الرسول بولس.

وتحتوي هذه الرسالة على نصائح عملية للأسقف صغير السن لتساعده على قيادة الكنيسة وتحذره من الهرطقات الموجودة في وقته. ويطلب الرسول من تيطس أن يأتي إليه ليخبره بأحوال الكنيسة في هذه الجزيرة.

وبالرغم من كون هذه الرسالة هي رسالة شخصية إلا أنه من المحتم أنها قرأت على الكنيسة في كريت أيضاً.

أعمال الأسقف (تيطس 1)

يتحدث الرسول بولس عن نفسه في هذه الرسالة أولاً كعبد لله وثانياً كرسول للرب يسوع المسيح. فالرسول بولس يحب أن يدعوا نفسه عبداً للمسيح، فرغم أن الله أعطاه الحرية الحقيقية الكاملة إلا أنه يتمتع بكونه عبداً للمسيح واهب هذه الحرية. فمن المزعج أن تكون عبداً لسيد قاس يسعى لإذلالك وتقييدك. ولكن المتعة كل المتعة أن تكون عبداً بإرادتك لذاك الذي رفض أن يلقبنا عبيد بل أبناء أحباء. هي عبودية الحب الجميل لا القسوة المذلة.

هو رسول ( 1 : 1) ليس كامتياز يجعله يتكبر على الآخرين أو يهملهم بل من أجل أن يضم مختاري الله إلى الإيمان ويعرفهم الحق الذي هو حسب التقوى.

ونرى الرسول وهو يركز عينيه على رجاء الحياة الأبدية ، فقد كان شيخاً في هذه الأيام منتظراً ملاقاة الرب متطلعاً إلى الحياة الرائعة في السماء "على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية" (1 : 2).

وقد ترك الرسول بولس تلميذه تيطس في كريت لكي يرتب الأمور الناقصة ويقيم القسوس في وقت كانت كريت فيه بحاجة إلى عناية شديدة بسبب تدهور أحوالها.

كيف نتصرف في منازلنا؟ أي نوع من المسيحيين نحن داخل بيوتنا؟ هذا هو اختبار مسيحيتنا الحقيقي، أن نسلك كما يحق لإنجيل المسيح في بيوتنا أولاً. فالخدمة المسيحية لبيوتنا هي بداية الطريق الحقيقي نحو خدمة الكنيسة ككل، فحينما يكون البيت مسيحياً حقيقياً يكون مجتمعنا كله مسيحياً حسب إرادة الله.

ولذا يجب أن يكون الراعي قدوة طيبة أمام شعبه في رعاية بيته، له زوجة واحدة طوال حياته ، ولو انتقلت إلى السماء لا يسمح له بالزواج بثانية. له أولاد مؤمنين حقاً لا يقدر أحد أن يشتكي على سلوكهم أو تصرفاتهم. لأنه إن لم يستطع أن يرعى بيته فكيف يرعى كنيسة الله.

يجب أن يكون الراعي مثالاً أخلاقياً على أعلى مستوى يمتنع عن كل شر وكل رغبة قبيحة وكل سلوك شائن وكل ربح قبيح. متمتعاً بالفضائل المباركة مضيفاً للغرباء ، محباً للخير ، متعقلاً ، باراً، ورعاً ، ضابطاً لنفسه.

يجب على الراعي أن تكون له علاقته الحية الدائمة بكلمة الله الصادقة قادراً على الوعظ و التعليم الصحيح. بل وأن تكون له القدرة على توبيخ الذين يحاولون خداع العقول البسيطة بتعاليم مضللة بقصد تحقيق المكسب المادي.

وقد اهتم الرسول بذلك نظراً لتعرض كريت إلى الكثير من المعلمين الكذبة متسببين في خراب البيوت رغبة في الربح القبيح. هؤلاء الذين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول، ولا سيما الذين من الختان (اليهود). يحاولون أن يدخلوا خرافات يهودية ووصايا لأناس ليست حسب الحق. ولذا يدعوهم الرسول "رجسون" ، "مرفوضون" (1 : 16). ويخبرهم أنه يجب عليهم أن يتوقفوا عن تعاليمهم. ويوصي تلميذه أن يداوي أعمالهم بتوبيخ الشعب بصرامة لكي يكونوا أصحاء في الإيمان (1 : 13).

ليس الإيمان مجرد إدعاء بأننا نعرف الله ولكن أعمالنا تختلف كثيراً عن هذه المعرفة ، نتصرف بطياشة في كثير من الأحيان وكأن الله لا يرانا. أن نؤمن بالله هو أن نعمل حسب إرادته الصالحة، أن تثق بوجوده في حياتنا في كل لحظة، أن نتبعه في كل خطواته.

أعمال أبناء الكنيسة (2):

يعلن الرسول بولس أنه من الضروري أن يظهر الإيمان بالأعمال في حياتنا، فيرسل كلمته إلى الأشياخ والعجائز (2 : 2 ، 3) موصيا تيطس أن يخبرهم بالأعمال التي يجب أن يتحلوا بها والتي ينبغي أن يعلموا الحدثات والأحداث بها (2 : 4 – 6). ولا ينسى الرسول أن يذكر العبيد بالصفات التي يجب أن يتحلوا بها (2: 9 ، 10).

فينبغي أن يتحلى الأشياخ بالوعي والوقار والصحة ، ليس الصحة الجسدية ، ولكن صحة الإيمان والمحبة والصبر.

والعجائز في سيرة مقدسة ، بعيدات عن كلام النميمة الذي لا ينفع، وعن الخمر الذي يفقد العقل والإرادة، ليس ذلك فقط بل ويكونوا قادرين على تعليم الصغيرات أيضاً لكي يكن زوجات وأمهات صالحات ويتسبب سلوكهن الحسن في تمجيد الله كشهود للمسيح أمام مجتمع ربما يكون وثنياً لا يعرف الله.

أما الأحداث فيجب أن يتحلوا بالتحكم بالنفس ، وألا يسيروا وراء اندفاعات الشباب التي تهلك الحياة في كثير من الأحيان.

والعبيد يكونوا مثالاً جيداً لسادتهم ، ليعرفوا الفرق بين العبد المسيحي وغيره، يطيعونهم ويرضوهم في كل شئ ولا يخالفون أوامرهم ، أن يكونوا أمناء غير مختلسين مبينين تعاليم إلههم في كل شئ.

وفي كل هذا يكون تيطس المعلم هو المثال والنموذج:" مقدماً نفسك في كل شئ قدوة للأعمال الصالحة ومقدماً في التعليم نقاوة ووقاراً وإخلاصاً" (2 – 7).

المبادئ الثلاثة الهامة ( 2 : 12 – 13):

- أن نترك حياتنا القديمة : منكرين الفجور والشهوات العالمية.

- أن نحيا حياة جديدة: فنعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر.

- أن ننتظر مجيء الرب الثاني: منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح.

يسوع المسيح الذي بذل نفسه من أجل فداءنا من كل إثم ، يسوع المسيح الذي يريد أن يطهرنا لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة.

هذا هو سلطان الراعي أن يتكلم ويعظ ويوبخ من أجل أن يصل برعيته إلى هذه الحياة الجديدة والملكوت الأبدي دون أن يستهن أحد به.

المسيحي مواطن صالح (3):

يستحث الرسول بولس مواطني ملكوت الله (أبناء الكنيسة المجيدة) أن يكونوا مواطنين صالحين أيضاً في مجتمعاتهم أياً كان العلم الذي يعيشون تحته. فيجب أن يخضع المسيحي للرياسات والسلاطين مقدمين لمجتمعاتهم ما يستطيعون من الأعمال الصالحة.

لا تقل أي شئ عن الشخص طالما أنك لا تستطيع أن تقول عنه كلاماً طيباً ، هذه وصية طيبة إذا استطعنا اتباعها أن لا نطعن في أحد.

يجب أن يكون المسيحي رجل سلام ومسامحة ووداعة للجميع وليس لفئة معينة من الناس.

يجب أن يتذكر المسيحي في كل وقت أن حياته هذه بكل ما فيها من بركات وأعمال صالحة إنما هي ثمرة لعمل الرب من أجله ، فلولا عمل الرب لكنا ضائعين في حياة الجسد الفاسدة.

"ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا، حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية" (3 : 4 – 7).

وينهي الرسول رسالته بتحذيره من المباحثات الغبية وتذكيره بالأعمال الحسنة ويدعوه إلى زيارته ويرسل تحيات العاملين معه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010