+{{ الحرية المسيحية }}+



الحرية المسيحية
=============

يستطيع العالم في معمله أن يدرب فأراً لكي يحل لعبة ذكاء معينة في مقابل قطعة من الجبن، كما يستطيع أن يصنع إنساناً آلياً يقوم بأداء المهام المختلفة. ولكن؛ ورغم ذلك لا يستطيع الفأر أو الإنسان الآلي أن يكون صاحب قرارات حرة.

فالحرية أو القدرة على اتخاذ القرارات من الأشياء التي تميز الإنسان عن غيره فقد أعطي الفرصة على اتخاذ قراراته، وهذه الفرصة هي لحظة حاسمة حينما نسأل، نسمح وحتى حينما نجاهد من أجل اتخاذ قرار معين. وتعتبر خبرة اغتنام فرصة اتخاذ قرار هي خبرة إنسانية بالدرجة الأولى.

القدرة على اتخاذ القرار
----------------------------

يستطيع الإنسان اتخاذ قراراته، ورغم تأثر الإنسان في بعض الأحيان بالضغوط والظروف إلا إنه لا يفقد قدرته على اتخاذ قراراته الحرة. فإذا تعرض شخصين لنفس الحدث أو الظرف فإنهما لن يتفاعلا معه بنفس الطريقة في أغلب الأحيان. ومن الصعب أن تنتزع حرية الاختيار من الشخص الذي يعي إنسانيته. ويمكننا تصوير ذلك عملياً بآبائنا الرسل والشهداء الذين ورغم إلقائهم في السجون المظلمة ووضع القيود في أيديهم وأرجلهم إلا أتهم لم يفقدوا أبداً حريتهم وقدرتهم على اتخاذ قرارهم. فالسجن لا يستطيع أبداً أن يفقد الإنسان حريته، فبالرغم من تقييد جسد الإنسان في مكان معين إلا أنه ما يزال حراً بفكره وروحه ومشاعره، ولا يستطيع أحد أن يحدد قدرته على اتخاذ القرار، ولذلك يستطيع أن يكون إنساناً مختلفاً بالكلية حتى وهو مسجوناً.

وتشرح العلوم السلوكية سلوكيات الإنسان كتفاعل طبيعي مع معطيات وراثية وبيئية بالإضافة إلى الظروف التي يمر بها. ويمكننا تشبيه الإنسان إلى حد ما – ومع فارق التشبيه- بالكومبيوتر الذي تقوم بإمداده بمعلومات معينة ويصل على النتائج بصورة تلقائية تبعاً للمعطيات. ولكن على الجانب الشخصي الإنساني، وإذا نظرت إلى الحياة الكاملة لإنسان معين فإنك تجد حياة متفردة غير متكررة في التاريخ البشري وعلى مستوى الإنسانية عامة.

ولا يتعرض الإنسان غالباً إلى مشكلة حرية الاختيار إلا حينما يكون الاختيار حيوياً وحاسماً بين اختيارين مختلفين. فإذا كان الأمر (س) مثلاً هو ذاته الأمر (ص) فإنه لا مجال في الدخول في اختيار نفس الشيء، ولكن حينما يكون الموضوع ذا أهمية حرجة فإنه تكون للإنسان قدرة واضحة على اتخاذ القرار.

أسئلة:

1. هل ترى أنه كلما مارس الإنسان قدرته على اتخاذ على اتخاذ قرار فإنه يؤكد بذلك أكثر على إنسانيته؟

2. هل يشجعك إيمانك المسيحي على اتخاذ قراراتك بنفسك؟ هل ترى علاقة واضحة بين الإيمان واتخاذ القرار؟ كيف؟



الحرية وحدودها :
--------------------

حينما نبدأ الحديث عن حرية اتخاذ القرار لابد لنا أن نناقش أمراً شائكاً، فإنه من اللطيف أن نقول أن الإنسان له الحرية الكاملة في اختيار ما يريده، ولكن هذا ليس حقيقياً دائماً فالإنسان لا يستطيع أن يتخطى كل القيود الموضوعة عليه نتيجة لكونه إنساناً يعيش في هذا العالم. فعقارات الهلوسة وحدها هي التي تشعر الإنسان بالحرية المطلقة ونتيجة لذلك قد يشعر بأنه قادر على الطيران دون طائرات أو أجنحة فيصعد إلى أعلى بناية ويلقي بنفسه وتكون نهاية هذه الحرية المطلقة هلاك أكيد ويأتي الناس ليلملموا بقايا هذا الكائن الحر الذي أخطأ في حساب حريته الحقيقية. وبهذا نجد أننا أحرار ولكن حرية محددة بحدود إنسانيتنا ووجودنا، وهناك عوامل أخرى تؤثر على حريتنا في اتخاذ القرار ومنها:

1. عوامل النمو :
------------------------

فالطفل الصغير أقل حرية من الشخص الناضج، وينمو الطفل عاماً بعد عام وتنمو حريته معه ويكتسب المزيد من الحرية في اتخاذ قراراته بنفسه. أما أثناء فترة المراهقة فيعيش الأهل والأبناء في مرحلة صعبة من مواجهة الحرية، فالشباب يتطلعون إلى اكتساب حقوقهم في اتخاذ قراراتهم ويشعرون بالثقة والقدرة على العناية بأنفسهم. وفي المقابل نجد الأهل وهم يشعرون بالمسئولية تجاه سلوك أولادهم، ولأنهم يحبونهم يكونون قلقين على سعادتهم ويشعرون بأن أبنائهم غير قادرين بعد على العناية بأنفسهم وتحمل مسئوليات الحرية. مار أيك في ذلك؟

2. عوامل اجتماعية وثقافية :
----------------------------------

وهناك العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية التي تحدد حرية الإنسان، ولا يمكن أن نعتبر الإنسان حراً في عمل أي شئ يختاره لأن هناك أشخاص آخرين لهم حقوقهم وحريتهم التي يجب أن نصونها ونحميها أيضاً، فحدود حريتي تنتهي حينما تؤثر على حرية الآخرين كما يقول المثل الإنجليزي”Your freedom ends when my nose begins” كما تؤثر العوامل الثقافية في حرية الإنسان بصور مختلفة .

3. عوامل اقتصادية :
----------------------------

وتؤثر الحالة الاقتصادية للإنسان على حريته، فالإنسان المكبل بالفقر يشعر بحرية أقل في بعض النواحي ويهتم أكثر بالكفاح من أجل الحياة. ما رأيك في هذا ؟


وما سبق يكفي لكي يساعدنا أن نعرف أن حرية اتخاذ القرار هي حرية لها حدود ، ولكن وبالرغم من كل هذه المحددات فإننا نعلم أن الله أعطى الإنسان نعمة الحرية. فبالرغم من محددات الحرية فما زال أمام الإنسان الكثير من القدرة على اختيار طريقته في الاستجابة للحياة .

ومن منظور مسيحي تعتبر الحرية نعمة (عطية مجانية) من الله،،وتوجد الكثير من الأحداث والآيات الكتابية التي ترسم لنا صورة واضحة عن هذه الحرية المسيحية .


لو 4:18 روح الرب عليّ لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية

غل 5:1 فاثبتوا اذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا ايضا بنير عبودية .

غل 5:13 فانكم انما دعيتم للحرية ايها الاخوة.غير انه لا تصيّروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضا .

يع 1:25 ولكن من اطّلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعا ناسيا بل عاملا بالكلمة فهذا يكون مغبوطا في عمله .

يع 2:12 هكذا تكلموا وهكذا افعلوا كعتيدين ان تحاكموا بناموس الحرية .

1بط 2:16 كاحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد الله .




حرية أولاد الله
==============

لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت
(رو8: 2)
أولاد الله هم الذين وُلدوا من الروح القدس ولهم طبيعة جديدة تحب كل ما هو من الله وتفرح في أثمار الروح القدس الساكن فيهم. لكن تغيير الحياة وسُكنى الروح القدس لا ينزعان منهم الجسد - الطبيعة العتيقة الخاطئة - من أجل ذلك وُضعت عليهم المسئولية أن يحسبوا أنفسهم أمواتاً بأن يُميتوا بالروح أعمال الجسد، وأن يضعوا الجسد في مركز الموت الذي أوقعه الله على الجسد في صليب المسيح. أما المؤمن الذي لا يختبر قوة الروح القدس عاملة في حياته لسبب عدم انتباهه، فإنما يختبر قوة الخطية عاملة في أعضائه. ومن هنا يصرخ قائلاً "مَنْ ينقذني من جسد هذا الموت" (رو7).

لكن نشكر الله الذي كشف لنا في رومية 8 عن حقيقة سُكنى الروح القدس في المؤمنين. وهناك يُسمَّى الروح القدس بثلاث تسميات، على المؤمن أن يتمسك بمضامينها ويفتخر بامتلاك نتائجها، وهي :

أولاً: "روح الله" (ع9) بالمقابلة مع الجسد الذي يعمل في أعضائه قبل الإيمان. روح الله لا روح العالم، وسُكنى روح الله في المؤمنين هو الشيء الذي يصوّر حقيقة مركزهم أمام الله. "أنتم لستم في الجسد، بل في الروح، إن كان روح الله ساكناً فيكم". والذي في المؤمنين أعظم من الذي في العالم. وبعمل روح الله يستطيع المؤمن أن يضع الجسد في مركزه أي في حالة القمع والاستعباد (غير مسموح له بأية حرية ) .

ثانياً: "روح المسيح" (ع9) ويُسمَّى روح المسيح في مواجهة السلوك العملي - حياة القداسة العملية. فالمسيح كان على الأرض يسلك في الروح في كل شيء. والمؤمن السالك في روح المسيح هو المؤمن الحرّ المنتصر الذي يعرف كيف يتصرف بالقداسة في القول والفكر والعمل. إن روح المسيح هو قوة التعبير الحي عن الحياة الجديدة التي بحسب فكر الله

ثالثاً: "روح الذي أقام يسوع من الأموات"
(ع11). لأننا نتوقع فداء المسيح، والله بقوة الروح القدس أقام المسيح من الأموات، وبنفس القوة سيُقيم أجساد الراقدين ويغيّر أجساد الأحياء. فإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فينا، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادنا المائتة (القابلة للموت) أيضاً بروحه الساكن فينا .


أنــــــــــــــــا حــــــــــــــر `15`
مقال لنيافة الأنبا موسى - أسقف الشباب
++++++++++++++++++++++


كثيراً ما نسمع هذه الصيحة من شاب يقول: أنا حر! وإذا ما سألناه ما هو مفهوم الحرية لديك؟ ربما تعثر فى الإجابة.

لا توجد حرية مطلقة! بل أن الإنسان إذا أعطى حرية مطلقة، يصاب سريعاً بالتفكك، وتتفسخ شخصيته! الحرية دائماً بناءة ومفرحة، ولكنها حينما تتحول إلى "الانفلات" أو "تحلل"... تصير هدامة ومدمرة.

ونحن لا نقول ذلك من منطلق كوننا رجال دين! ولكن لأن الخبرة الحياتية، والممارسة اليومية، كلاهما يؤكد هذه الحقيقة: الحرية يجب أن تكون مسئولة وملتزمة. والإنسان يسر بين حدين: الحرية، والانضباط. فإذا ما أعطيناه جرعات أكثر من الحرية تفكك وضاع، وإذا ما أعطيناه جرعات أكثر من الضبط قمع ومسخت شخصيته!

أين الحرية المطلقة؟

نعم... أين هذه؟ من قال أن الإنسان حر حرية مطلقة؟ إن حياتنا مليئة بالضوابط. وهذه الضوابط هى صمام أمن حريتنا.

هل نطلق العنان لغريزة الطعام، فنأكل دون تفكير فى نوع الشئ المقدم لنا، ومدى صلاحيته، وتاريخ فساده، وهل هو يخصنا أم يخص غيرنا... الخ؟

وهل نطلق العنان لغريزة حب الاستطلاع، فنفقد اتزان عقولنا، ونرمى بأنفسنا فى التهلكة، أو نفتح أدراج أو خطابات أو أوراق أصدقائنا، بدافع حر الاستطلاع؟

وهل نطلق العنان لحب الاقتناء لدينا، فنسرق أو نتخلى عن مبادئ أساسية، بدونها لا تستقيم الحياة، ولا يبنى المجتمع؟

لا توجد حرية مطلقة فى هذا الكون، بل لكل حرية ما يقابلها من مسئولية والتزام وضوابط.

هل هى حرية؟
أما تلك الحرية التى يتشدق بها الغرب، فهى عين العبودية. نعم هو حر فى أن يلبس أو يأكل أو يعمل أو يكسب... لكن هناك ضوابط: "حريتك تنتهى عندما تؤذى غيرك!"... "كن أميناً فى دفع الضرائب"... "التزم بالقانون"... لكن حرية ممارسة الجنس مثلاً، إلى أين ذهبت بالشباب الغربى؟! إلى شيوعية الزواج؟ إلى الشذوذ؟ إلى تكرار الزواج والطلاق دون استقرار للأسرة؟ ألم نقرأ عن مدرسة كاملة وضعت رهن التحقيق أمام شاشات التليفزيون، بسبب انحراف رهيب فى الجميع دون استثناء؟! مديرون ومدرسات ومدرسون وطلبة وطالبات فى رهيبة؟ هل هو ضيق أفق الدين، أم أن الدين يحاول أن يسمو بنا وبغرائزنا، لأن مجرد الخضوع والخنوع لها هو بعينه العبودية... "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية؟" (يوحنا 34:8).
وها نحن نرى ثمرة انفلات الغرب وتحلله، فالأسرة فى سبيل الاندثار، ولا أحد مستعد أن يكون له طفل يعطيه من حبه وحنانه، لدرجة أنهم يغلقون مدارس الأطفال بالجملة هناك . إنها الحرية المزيفة التى هى الأنانية الكاملة! وعبودية الذات والشهوات! وعدم القدرة على الحب والعطاء.

الحرية الملتزمة :
من هنا نقول أن المطلوب هو اتزان حقيقى بين الحرية والضوابط... مزيج يصلح للنمو الإنسانى على مستوى الفرد، والأسرة، والجماعة. فلا نسقط صرعى العبودية للإيحاءات النفسية والغريزية الكامنة فينا، بل نتسامى بها فى اتجاه الفكر الراجح والروح المقدسة.
ولعل كنستنا تضع ضوابط مباركة لحياتنا، حتى لا نعيش نهباً لنفسياتنا، أو شهواتنا، لذلك رسمت لنا أموراً مثل:

1- القانون الروحى :
أى أن يكون لكل منا قانون حياة يومية روحية: من صلوات بالأجبية، أو صلوات سهمية ننادى فيها: "ياربى يسوع المسيح ارحمنى"، أو صلوات جماعية فى القداس الإلهى، مع تناول واعتراف، واجتماعات مشبعة وقراءات... فهذه جميعها "وسائط نعمة"... أى أننا من خلالها نحصل على نعم روحية، كالغفران والنمو والفضائل... أضف إلى ذلك الصوم وفترات مراجعة النفس والخلوات الروحية... الخ.

2- الأب الروحى :
أى أن يكون لكل منا الأب الروحى الذى يوجه حياته بالروح القدس، من خلال سر التوبة وممارسة الاعتراف الأمين. وفى الاعتراف - كما يعلمنا قداسة البابا - نأخذِ حلاً (بكسر الحاء) وحلا (بفتحها)... الحل: أى غفران الخطايا، والحل: أى الإرشاد فى الطريق.

3- الوسط الروحى :
فالإنسان مخلوق اجتماعى، ومن هنا كان لابد من بيئة مقدسة ينمو فيها وينضج، هذه البيئة متوفرة جداً فى الجو الكنسى، حيث يمارس الشباب أنشطة روحية واجتماعية وفنية وثقافية، تمهيداً لاندماجهم فى المجتمع، ليكون لهم عطاؤهم كمواطنين صالحين، شهادة للرب يسوع العامل فيهم، إذ ينشرون الحب، ويقدمون الخدمة، ويقومون بالواجب.

إذن، فلا تتضايق يا أخى الشاب حين تجد ضوابط فى البيت، والمدرسة، والكلية، وحتى الكنيسة، والمجتمع، فهذه كلها لكى تصل إلى شخصية متوازنة متكاملة، فيها الحرية التى تنمى، والالتزام الذى يحفظ. والرب معك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010