من يزرع حباً

يُحكى أنه في سالف العصر والزمان، أراد ملك عظيم أن يبني ملكه على الحب والعدل والرحمة

من يزرع حباً؟

إن الحب هو اللغة الوحيدة التي لم تندثر، ولم تتغير منذ فجر التاريخ. فالحب هو الأغنية التي يتغنى بها كل البشر، رغم اختلاف اللغة والثقافة والجنس.
يُحكى أنه في سالف العصر والزمان، أراد ملك عظيم أن يبني ملكه على الحب والعدل والرحمة وفي ذات صباح جلس مع ابنه على مائدة الإفطار، وبدأ يناقش ابنه في أمور المملكة وشئونها، وما يخص حال الرعية، وجال بخاطره أنه يريد أن يطمئن على حال الشعب بنفسه، ولا يريد وسيطاً بينه وبين الشعب، من البلاط الحاكم، إن الوزير لن تنظر عيونه للأمور مثل نظرتي أنا للأمور، وقلبــه ليـــس مثــل قلبي، فهو دائماً يريد أن يشعر بالأمان والاطمئنان، فهذا كل مراده.
وفي أثناء هذا الحوار سقطت قطعة من الخبز من على المائدة إلى الأرض، ونظر الملك في عيون ابنه ليرى رد فعله، فنطق الابن وقال: «أبي لا لا ...». فقال له الملك: «يا بني سأنحني أنا إلى الأرض، وألتقط قطعة الخبز». فقال الابن: «ولكن لدينا من الخدم من يقوم بذلك، أما أنت...». وصمت. فأجابه الملك: «نعم أنا الملك كل من في مملكتي تحت سلطاني، ولكن أيضاً كل من في مملكتي مسئول مني، فإن لم أنحنِ أنا وألتقط قطعة الخبز من على الأرض، فلن تفهم أنت بقية حواري معك».
أجابه الابن: «أبي، أنا لا أفهم بعد ماذا تقصد؟» فأجابه الملك: «أريد أن أكون بين شعبي، وأرى بنفسي ما يحدث معهم ولهم، فالمسافة بيننا كبيرة وأريد أن ألـمس كل ما يحدث عن قرب. لذا فقد قررت أن أرسلك أنت ابني نيابة عني إليهم، فلم أجد أروع من أن تذهب أنت إليهم، فأنا كأب أرى نفسي فيك، لتقدم لهم كل الحب، وكل ما تستطيع من الخير، فهكذا ستكون ملكاً عظيماً في المستقبل، فالعظمة ليست في الاستعلاء على البشر والجلوس على كرسي العرش دون تقديم حب حقيقي وعملي لكل الشعـب، غداً صبـاحاً تبدأ رحلتك». أجابه الابن: «أبي معنى هذا أنني سأخلع ملابس الملك، وأترك صولجاني، وأحيا كأي فرد بين الشعب؟» فضحك الملك وقال: «يا بني ستترك مكانك وتنحني كما انحنيت أنا منذ قليل لتقدم الحب لهذا الشعب، فسوف يرونني فيك، مــن عملك الجيد، وحكمتك في التصرف، وتقديم العون، ومحبتك للكل».
وفي صباح اليوم التالي ترك الابن القصر وهو في ملابس رجل الشارع، بلا حرس ولا خيــل ولا صولجان، حتى وصل إلى المدينة وصار بين الناس، يجول في الشوارع يرى المحتاج، فيصنع معه خيراً، ويبحث عن المريض ويزوره، قضى أياماً يصارع، فبعد أن كان يُخدم صار هو يخدم الآخرين .
وفي نهاية أحد الأيام جلس وهو متعب للغاية، لكنه ابتسم وقال: «كم كان أبي محقاً؛ إن العظمة في أن أترك القصر وكرسي العرش وأتلامس مع المساكين والمحتاجين، ولكن ما الفائدة من ذلك؟ فلم يدرك الشعب حب أبي لهم بعد ولا حبي أنا لهم». وذهب في صمت طويل. لكن قطع هذا الصمت صوت طفل على طرف الطريق يبكي، فاقترب منه وابتسم له بكل الحب، ونظر في عينيه المملوءتين بالدموع، وبدأ يمسح دموع الطفل وقال له: «ماذا بك يا صغيري دعنا نكون أصدقاء وأحكِ لي ماذا بك؟». وربت على كتفيه فازداد الطفل بكاءً، فأخذه في حضنه وأتى له بطعام وماء. ولما فرغ الطفل من تناول الطعام، بدأ يحكي له: «إنني وحيد ليس لي بيت ولا أب ولا أخ ولا صديق، وجدت نفسي هكذا في الدنيا من بيت إلى بيت أخدم وعندما يغضب عليَّ سيدي، يطردني إلى الشارع». فقال له:«لا تخف من الآن ستكون معي». فأجابه الطفل: «ولكن من أنت؟ ومن أين أتيت؟ أراك مختـلفــاً عن أناس مدينتنا، فالكل هنا لا يهتم سوى بنفسه».
وبدأ يحل الظلام وحدث ما لم يكن في الحسبان، تقدم نحوهم مجموعة من الرجال يبدو على وجوههم العنف والشر، واقترب أحدهم ونزع الطعام من يد الطفل»، وأخذ يضحك بصوت عالٍ: «يبدو أن لديك مال كثير، نحن أحوج إليه من هذا الطفل». ورد آخر بصوت أعلى، وفي يديه سيف: «أفرغ كل ما في جيوبك من مال وإلا ستكون حياتك الثمن!!» فرد: «من أنتم؟ أنتم لا تعرفون من أكون، أنا ابن الملك». وضحك الكل في استهزاء وقال رئيسهم: «أنت مجنون! وهل يأتي ابن الملك هنا؟» وبدأ الكل في ضربه. وقال آخر: «لنقتله، فهو مجنون». واختلط صراخ الشاب من شدة الألم، وصراخ الطفل ووقف الطفل عاجزاً وبكى وصرخ: «لا! لا تصنعوا به هكذا، فهو الشخص الوحيد الذي أحبني، وقدم لي الطعام واقترب مني». وضاعت صرخاته بين ضحكات وسخرية اللصوص. وهرب اللصوص. واقترب الطفل من الشاب: «لا تمت لا تمت ...».
فأجابه: «لا تخف يا صديقي فأنا هنا لأزرع حباً لأنفذ وصية أبي، فهل يموت من يصنع خيراً ويزرع حباً؟!»
بجد مها قصه مؤثره جدا زى ما الاب السماوى بعت ابنه علشان يخلصنا ..................
ربنا يبارك تعبك فعلا قصه رائعه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010