الملاك و الشيطان

انعقد مجلس قيادة الشياطين وجلس بعلزبول رئيس الشياطين وعلى رأسه تاج مرصع بالخناجر والأسهم والدماء وهو يجلس بكبرياء و زهو عظيمين وتفوح منه رائحة الموت بملابسه السوداء ويبدو على محياه القسوة وتشع الكراهية من عينيه ، وقد بدأ جلسته بتوبيخ الشياطين على قلة الحصيلة في الأيام الماضية ، فمازال بعض الناس يصومون ويصلون ويحبون بعضهم.

ثم قال لهم في تحدي واضح : إن من يقدم لي أعظم عمل ، سأقوم من على كرسي الملك وأجلسه مكاني وألبسه تاجي ، تقدم شيطان كبير وأخذ يعدد أعماله في كبرياء و فخر " لقد حرضت شابا على القتل ، فقتل جاره من أجل خمسة جنيهات " و هنا زمجر الرئيس قائلا: اجلس ، ما أهمية هذا ؟

ثم قام شيطان آخر يقول بثقة واعتزاز : " لقد جعلت أسرتين يتشاجران و يتخاصمان بسبب خناقة صغيرة بين طفلين. " فقال له الرئيس بعدم مبالاة : اجلس ، وقام آخر يقول : " لقد أسقطت شابة عفيفة في الزني " فلم يرد عليه الرئيس.

و هكذا تقدم شيطان تلو الآخر دون أن ينال أحدهم رضى الرئيس وهنا تقدم شيطان عجوز يبدو على محياه دهاء السنين برغم هدوئه الظاهري و قال في تواضع مصطنع : " أنا لم أعمل شيئا عظيما مثل سائر زملائي ، أنا جالس أرافق أحد الخدام منذ سنتين ، عندما يقول : أقوم لأصلي ، لا أعارضه ولكني أقـــول له: استرح الآن وصلي غدا فأنت مرهق وعندما ينوي الاعتراف أقـــول له : انتظر بعد الامتحانات حتى تستعد جيدا ولا سيما إن أبونا مشغول ، وعندما ينوي الصيام أقول له : إن صحتك ضعيفة ، فانتظر حتى يمر نصف الصيام ، وعندما يهم بفتح الإنجيل أجلب له النعاس وهكذا مرت سنتين دون أن يعمل شيئا.

هنا تهلل رئيس الشياطين وقام عن كرسيه متحمسا وقـــــال له: أنت الملك الحقيقي ، إنك ربحت هذه النفس لجهنم بذكاء ولباقة ، كم أنت حكيم أيها الشيطان المحنك العجوز!! شيطان الكسل ، تعال و جند جنودك لينتشروا بين سائر المسيحيين المتدينين ، فقد عرفت كيف تدخل إليهم ، لقد قدمت لي أعظم عمل.



و في المقابل قال الله لأحد الملائكة : انزل إلي الأرض واحضر لي أثمن شئ في العالم ، هبط الملاك على الأرض وعبر التلال والوديان والبحار باحثا عن أثمن شئ يقدمه ، فوجد جنديا شجاعا مات في المعركة يدافع عن وطنه فأخذ نقطة من الدماء وأحضرها لعرش الله و قال : أيها السيد ، بالتأكيد هي أثمن شئ في العالم ، قال له الله : حقا أيها الملاك إنها شي عظيم ولكن ليست أثمن شئ.

عاد الملاك يبحث حتى وجد ممرضة تخدم المرضى حتى مرضت هي أيضا ولفظت أنفاسها الأخيرة ، فأخذ آخر نفس وقدمه لله ، فابتسم الرب للملاك وقال : أما عن بذل الذات فهو تقدمة ثمينة جدا في نظري ولكن ليست أثمن شئ.

عاد الملاك يتجول في الأرض فرأى شخصا شريرا قاسيا ذاهبا إلى كوخ عدوه ليحرقه و عندما اقترب من النافذة رأى زوجة عدوه تعلم طفلها الصغير أن يصلي و يشكر الله على بركاته ، فتذكر طفولته وكيف كانت أمه تعلمه الصلاة وتأخذه القداس ليتناول و كيف أصبح حاله اليوم ، فذاب قلبه القاسي وشعر بالندم وانحدرت دمعة من عينيه ، فأمسك بها الملاك وطار مسرعا لله وقال : ما رأيك يا سيدي ؟ فابتسم الرب في ابتهاج و هو يقول: حقا أيها الملاك ، لقد أحضرت أثمن شئ في العالم يفرح قلبي ، دموع التوبة التي تفتح السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010